العدد السادسمقالات

عين المحب

عَيْن المُحِبّ

إنّ المُحبّ الصادق لَيخشى أن يَرى الناسُ ما أحبَّ بمثل عينه!

أنْ تكون مميزًا لشخصٍ واحدٍ على الأقل، أن يٌحبك خفية بكامل وصدق شعوره وأن تصير متدفقا في صدره، مرويًا على مهل في حرفه، فتصير على بعثرتك وفوضاك وشتاتك مطويا بعناية في صدره. أن تُمحّص سرديتك وتفاصيلك المملة على مهل بتلقائية محببة، وتُستعاد في خاطره كأنشودة أو لحن خفي لا يمله أبدا، وأن يُعاد تركيبك خلسة لتغدو طيفا مثاليا، خاليا من كل سوء، مُطعّما بكل جميل..

عين المُحب تُجمّلك على علّاتك وترقّيك؛ كتزكية كاملة لك وتصير بها أجمل مما كنت، حتى أنها لتثير دهشتك ما إن تعرفها؛ فأنت تعلم أنك لست جميلا بقدر تلك الرواية! لكن ربما هي مهمة المُحب الأسمى لا أن يُبالغ في منزلتنا، بل هي في أن يبوح بنُسختك الجميلة التي يراها بعين قلبه ولا تصدقها أبدا عنك، وأن يُحرّض كل حُسن فيك ليظهر، فتُزهر بقدرٍ لم تكن تظنه أبدا في نفسك، وتنتهي أكثر حبا لها بعد أن دلّك أحدهم على كل مُمكناتك!

غالبًا لا يمنحك المُحب الصادق تشجيعًا أو تحفيزًا وهميًا بقدر ما منحك عينيه لترى نفسك كما يراك، وتلتقي بنسخة منك أكثر كمالا. هناك دائمًا جمالٌ فينا، مخفيٌ عنا في زاوية عمياء لا تُرى من أنفسنا، ومن يحبك يُعيد تركيبك وسردك في رواية عذبة أكثر جمالاً من روايتك، فتعتنقها حتى يخرج الجمال المُختزن فيك من ظلمته وتراك بشكل كامل!

لقد كنت جميلاً من قبل، إنما كان المُحب مُرشدك لما خفي عنك بنفسك. ربما لا يُنقذنا الحب بشعريته، على قدر ما يمنحنا عينين خارجنا تبصر ما تجاهلناه فينا، أو ما كاد يذوي في زاوية عمياء من روحنا!

أحيانا تكون مُهمة الحب ببساطة في أن تجعلك تتخلى عن رواية ذاتك بصوتك وتسمع أصواتًا أكثر رقة، ليتم إنقاذ الجمال فيك من الذبول. نظرة واحدة من مُحب لك، تغترف منك ما خفي عنك، فتبصر نسختك الأطهر فتحبّ ذاتك وتنقذها وبهذه الكيفية تمامًا، يُحيي الحبّ أصحابه!

رانيا إبراهيم
(كاتبة، من مصر)

أقرأ أيضًا:
قراءة في ديوان محمد عبد الباري (لم يعد أزرقًا)
العلامة محيي الدين عبد الحميد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى