إهداءات محمد بهجة الأثري لعلماء عصره
إهداءات محمد بهجة الأثري لعلماء عصره
عادل عبد الرحيم العوضي
إنّ الإهداء شيء مارسه الناس فيما بينهم منذ قرون غابرة، واقتضته الحياة الاجتماعية القائمة على تبادل المنافع التي يحتاجونها، ولا شك أن الهدية في عرف البشر تعبير عن شعور بالمودة نحو المهدي إليه، وغالبًا ما تنتقى الهدايا من أشياء تسر وتبهج([1])، قالت أم المؤمنين عائشة الصديقة –رضي الله عنها-: (كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية، ويثيب عليها)([2])، وحث –صلى الله عليه وسلم- على التهادي وبين أنه وسيلة من وسائل انتشار المحبة والوئام، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي قوله –صلى الله عليه وسلم- قال: (تهادوا تحابوا)([3])، وفي تراجم العلماء نقف على الكثير من النصوص التي تشير إلى إهداء العلماء كتبهم، أو نفائس الكتب لغيرهم([4]).
وفي عرف العلماء فالكتاب من أعز ما يُهدى، أهدى بعضُ الكتاب إلى صديقٍ له دفترًا وكتب له: (هديتي هذه، أعزك الله، نزكو عن الإنفاق وتربو على الكد، لا تفسدها العواري ولا تخلقها كثرة التقليب، وهي أحسن في الليل والنهار والسفر والحضر، تصلح للدنيا والآخرة، تؤنس في الخلوة وتمتع في الوحدة، مسامر مساعد ومحدث مطواع ونديم صديق)[5]).)
هدايا النّاس بَعْضِهِمُ لبعضٍ | تُولدُ في قلوبهم الوصالا | |
وتزرع في الضمير هوًى ووُدًّا | وتُكسبهم إذا حضروا جًمالا |
والإهداءات تراها كثيرًا في عصرنا الحاضر الذي توافرت فيه المطبوعات ووسائل الحفظ، ومن بين تلك الإهداءات التي استوقتني إهداءات الشيخ محمد بهجة الأثري([6]) لعلماء عصره أو أقرانه، مما تبين مدى صلته بهم، أما الحديث عن علاقة الشيخ بعلماء عصره فهو حديث ذو شجون ويستحق أن يفرد بمؤلف خاص، ولكن حسبنا أن نكتب هذه الورقات في صلته بعلماء عصره من خلال الإهداءات التي وقفت عليها على ظهر الكتب المطبوعة، أو المخطوطات وهي قليلة جدًا نظرًا لصلات الشيخ، وحسبنا أن نقف على أشياء أخرى مستقبلًا.
إهداءات الشيخ محمد بهجة الأثري إلى الشيخ محمد بهجة البيطار:
وهي أكثر الإهداءات التي وقفت عليها، ويتضح جليًا أن علاقته بالشيخ البيطار([7]) كانت قوية، وكان يتعاهده بالإهداءات دائمًا:
- كتاب مناقب بغداد للإمام ابن الجوزي بتحقيقه([8]) ونص الإهداء: (إلى فضيلة عالم دمشق الكبير حبيبي وسميّي الشيخ محمد بهجة البيطار أعزه الله وأيده، محمد بهجة الأثري).
- مأساة الشاعر وضاح([9]) من تأليف الأثري وأحمد حسن الزيات([10])، نص الإهداء: (إلى الصديق العلامة الجليل الشيخ محمد بهجة البيطار، 11/09/54 من المخلص محمد بهجة الأثري).
- تاريخ مساجد بغداد وآثارها للآلوسي بتهذيبه([11])، ونص الإهداء (هديتي إلى سميي وحبيبي الأستاذ العالم العامل الجليل الشيخ محمد بهجة البيطار، 16 شهر ربيع الثاني 1346، محمد بهجة الأثري).
- كتاب الألفاظ الحضارية ودلالتها التاريخية وأمثلة منها، وكتاب إلى خط سير جديد في تدوين تاريخ الأدب العربي، كلاهما للأثري وعليهما إهداء للبيطار بنص متشابه وبذات التاريخ ونصه: (إلى صاحب السماحة علامة الشام الأستاذ السميّ الجليل الشيخ محمد بهجة البيطار مع التحية الصادقة، محمد بهجة الأثري، بغداد 28/1/1390هـ)([12]).
إهداء إلى الشيخ محمد نصيف[13])):
- كتاب تاريخ مساجد بغداد وآثارها للآلوسي بهذيبه([14])، ونص الإهداء: (هديتي إلى مفخرة الحجاز ورجله النبيل الشيخ محمد نصيف المحترم، مصر 14 صفر 1347، محمد بهجة الأثري).
إهداء إلى الشيخ يونس السامرائي[15])):
- كتاب ذرائع العصبيات العنصرية في إثارة الحروب([16])، ونص الإهداء: (إلى الشيخ يونس السامرائي تحية طيبة لك، المؤلف).
إهداء إلى الأستاذ ظافر القاسمي[17])):
- كتاب محمود شكري الآلوسي وآراؤه اللغوية للأثري([18])، ونص الإهداء: (إلى سيادة الصديق الكريم الأستاذ السيد ظافر القاسمي من محبه محمد بهجة الأثري 17/1/59).
إهداء إلى الدكتور عبدالعال سالم مكرم[19])):
- كتاب تكملة خريدة القصر وجريدة العصر (قسم شعراء العراق)([20])، ونص الإهداء: (هدية متواضعة إلى السيد العالم النحوي المحقق الدكتور عبد العال سالم مكرم، عرفانًا بفضله، محمد بهجة الأثري 1/6/1402هـ).
إهداء إلى الأستاذ أحمد زكي باشا[21])):
- على نسخة خطية من كتاب الديباجة لأبي عُبيدة مَعْمَر بن المثنى([22]) ونص الإهداء: (سيدي الأستاذ الكبير أحمد زكي باشا، أقدم هذا الكتاب الموسوم بالديباجة إلى خزانة كتبكم عمرها الله بطول أيامكم وأمتعكم بها سالمين من غِيَر الدهر وصروف الزمان، والمأمول منكم أن تتواضعوا في علاكم وتتنازلوا بقبول الهدية من غير نظر إلى فضلكم وأكفاء نيلكم لازلتم ممتعين بهدايا إقبال الأيام تحفّ بكم تحفَ السعادة مدى الأعوام، والسلام، 24 جمادى الأولى سنة 1342، محمد بهجة الأثري).
إهداء للمجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية بدمشق حاليا)[23])):
في هذا الإهداء الأخير نجد أن الأثري لم يقتصر فيه إهداءاته على الشخصيات، وكانت للمجامع العلمية نصيب منها، ففهي هذا الإهداء الأخير يوجهه إلى المجمع العلمي العربي بكلمات جميلة، وجاء الإهداء على كتاب أعلام العراق([24]) له، ونص الإهداء: (إلى المجمع العلمي العربي الجليل هذه زهرة اقتطفتها من رياض الشباب وآثرت أن أقدمها إليك والهدايا على مقدار مهديها، محمد بهجة الأثري).
يمكن أن يستنتج من الإهداءات أعلاه:
- مدى توقير الأثري لعلماء عصره وأقرانه.
- يمكن أن يستجلى جانب تاريخي لطيف من حياة الشيخ.
- تبين مدى ارتباط الأثري بعلماء عصره، على شتى تخصصاتهم، وتنوع فنونهم.
- من يتأمل كلمات الشيخ محمد بهجة يرى صدقها، ومشاعر الحب اتجاه المُهدى إليه، وأحيانًا التقليل من نفسه مع علو منزلته في عصره.
وفي نهاية المطاف لا يسعني إلا أن أشكر كل من أفادني بصورة إهداء للشيخ محمد بهجة الأثري وكان سببًا في إثراء البحث، والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.
الهوامش:
[1]) حصول التهاني، جمال عزون ص9
[2]) رواه البخاري في صحيحه، حديث رقم 2585.
[3]) رواه البخاري في الأدب المفرد، حديث رقم 594
[4]) حصول التهاني ص10-15
[5]) المحاسن والمساؤى للبيهقي، ص1-2
[6]) محمد بهجة الأثري (1320-1416هـ) ولد في بغداد، وتلقى العلم على الآلوسيين، وكان عضوًا في المجمع العلمي العربي، ومديرًا لأوقاف بغداد، وله العديد من المؤلفات و التحقيقات والمقالات، انظر: محمد بهجة الأثري: حياته وجهوده العلمية، جليل العطية، مجلة عالم الكتب، ع4، 1988م، 312-319، وفيما سطره الإخوة في العدد المزيد حوله.
[7]) أحمد حسن الزيات (1302 – 1388 هـ) صاحب (الرسالة) . أديب من كبار الكتاب، له (تاريخ الأدب العربيّ) وكان من أرق الناس طبعا، ومن أنصع كتاب العربية ديباجة وأسلوبا، وكان عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة،الأعلام 1/113-114,
[8]) والنسخة ضمن مكتبة البيطار الموجودة بمركز جمعة الماجد.
[9]) والنسخة ضمن مكتبة البيطار الموجودة بمركز جمعة الماجد.
[10]) محمد بهجة بن بهاء الدين بن عبدالغني البيطار (1311-1396هـ) بحاثة علامة، ولد بدمشق، من مؤلفاته (نظرة في النفحة الزكية) و (الرحلة النجدية الحجازية) وله مقالات كثيرة نشرت في عدد من المجلات، إتمام الأعلام 1/344.
[11]) والنسخة ضمن مكتبة البيطار الموجودة بمركز جمعة الماجد.
[12]) وكلا الكتابين ضمن مكتبة البيطار الموجودة بمركز جمعة الماجد، وكذلك كتاب (المجمل في تاريخ الأدب العربي) للأثري ضمن نفس المكتبة عليها إهداء للبيطار.
[13]) محمد بن حسين بن عمر بن محمد نصيف (1302-1391هـ) عالم جدة وصدرها في عصره، وأولع بالكتب فجمع مكتبة عظيمة، وكان مرجعًا للباحثين، وكان بيته ملتقى الفضلاء القادمين من مختلف البلاد تُوفي بالطائف. الأعلام 6/107-108.
[14]) والنسخة ضمن مكتبة محمد نصيف الموجودة بمكتبة جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
[15]) يونس بن الشيخ ابراهيم بن محمد السامرائي (1634-1990م) أصدر أول مجلة في مدينة سامراء باسم (سامراء) ثم أصدر مجلة أخرى باسم (صوت الإسلام) وله عدة مؤلفات منها (تاريخ سامراء)، موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين ص236.
[16]) والنسخة ضمن مكتبة الشيخ يونس التي بحوزة سبطه أحمد الحسني.
[17]) ظافر بن محمد جمال الدين القاسمي (1331-1404هـ) هو ابن علامة الشام القاسمي، حقوقي أديب، ولد بدمشق وتعلم بها، كان كاتبًا مترسلًا، ومحاضرًا متمكنًا، له (جمال الدين القاسمي) و(نظرات في الشعر والأدب الأموي)، ذيل الأعلام 1/109-110.
[18]) والنسخة في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض.
[19]) عبد العال سالم مكرم، عالم أزهري، نحوي لغوي، تخصص في الدراسات النحوية والقرآنية، أستاذ النحو بجامعة الكويت، وتمتاز دراساته القرآنية بالموضوعية، والعمق والاستقراء، وحسن الاختيار والترتيب. يُنظَر: الجهود اللغوية عند الدكتور عبد العال سالم مكرم، رسالة دكتوراه للباحثة زينب محمد خوشناو، جامعة ديالى، العراق (2015م).
[20]) والنسخة منشورة على الشبكة ولم اهتد لمكانها.
[21]) أحمد زكي بن إبراهيم بن عبد الله (1284-1353هـ) شيخ العروبة: أديب بحاثة مصري، قام بفكرة إحياء الكتب العربية فطبعت الحكومة المصرية عدة مخطوطات، وله عدة تحقيقات ومقالات خلف مكتبة ضخمة آلت لدار الكتب المصرية. الأعلام 1/126-127.
[22]) والنسخة بمكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود برقم 1132، ومتملك النسخة أ. أحمد خيري، ذكر أسفل الإهداء قصة حصوله على النسخة ويحسن ذكرها، قال: (في يوم الخميس 15 من شهر ربيع الآخر من هذه السنة اشتريت هذا الكتاب من الحاج محمد نديم مدير مطبعة دار الكتب المصرية -كان- بمبلغ 2500 جنيهين ونصف، ولاحظت سمك هذه الورقة عن باقي أوراق الكتاب، فعرضتها للشمس فتبين لي أنهما ورقتنا ملتصقتان على سفلاهما كتابة أعدت على حروفها المداد بخطي فإذا بها اسم الكتاب وإهداء النسخة من ناسخها إلى أحمد زكي باشا المُتوفى 1353هـ ).
[23] ) فيما يتعلق بتاريخ المجمع وأعلامه ينظر موقعهم الرسمي www.arabacademy.gov.sy
[24] ) والنسخة في مكتبة جامعة كولومبيا بأمريكا.
اقرأ أيضًا:
تعليق واحد