تجربتي في ترجمة الأدب الحديث
تجربتي في ترجمة الأدب الحديث
حتى الآن لا معيار محدد للأدب الجيد غير القارئ، فقد ترجمتُ ما وجدته يستحق: تجربتي في ترجمة مجموعتين من القصص الروسية الحديثة ونشرها بشكل إلكتروني.
|
مقدمة:
العمل على ترجمة أعمال أدبية حديثة هو حلم الكثير من المترجمين، الهدف من الترجمة في الأساس هو نقل الثقافة ولنعرف كيف يكتبون في البلدان الأخرى وماذا يقرؤون، لذا نحن بحاجة إلى نقل الحديث ولكن ليست كل الأمنيات سهلة التحقق. العمل على ترجمة حديثة ليس بتلك البساطة لأن هذه المرة وعكس ترجمة الأعمال الكلاسيكية الأمر لا يتعلق بالمترجم واختياره بل يتعلق بكاتب حيّ ودار نشر عربية وأجنبية، ما يعني أكثر من طرف والكثير من المعاملات التي تؤخر عملية الترجمة.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل المترجمين دائمًا يختارون ترجمة الأعمال الكلاسيكية، وكمترجمة مبتدئة لم أتخرج في الجامعة بعدُ لأنني ما زلت طالبة أدرس اللغة الروسية بكلية الآداب في جامعة القاهرة، لم يكن أمامي أي خيارات سوى أن أتدرب في ترجمة الكلاسيكيات، ولكن دائمًا هناك طريق آخر أو نستطيع القول أنني صنعت طريقًا خاصًّا.
في أحد الأيام وبينما أبحث عن مواد للتدريب وجدتُ مدوّنة لقصص الأطفال، وقد أبهرتني القصص في بساطتها اللغوية ورموزها البليغة، بحثت عن القصص ولكنها لم تكن منشورة في كتاب، بل هي من كتابة صاحب المدوّنة الذي يستخدم أسمًا مستعارًا “هالي”، لم أمتلك خطة ولا أي فكرة عن النشر، ولكن أرسلت إلى الكاتب برغبتي في الترجمة لإعجابي بالقصص، وبالفعل لقد حصلتُ على الحقّ بالترجمة من الكاتب تحت شرط واحد (ألّا تُنشر القصص بشكل ربحي).
كان الكاتب الأصلي حريصًا أن تكون كتابته متاحة لأكبر قدر من الناس حتى بشكلها المترجَم، وهنا جاءت الفكرة بتوافر حقوق نشر عمل حديث، لا يوجد تدريب أفضل يمكنني أن أخرجه إلى النور، لذا قرّرت نشر القصص إلكترونيًا، وانتهى الأمر بترجمة قسمَين منفصلَين من المدوّنة، تم نشرهما على شكل كتابَين منفصلَين إلكترونيًا وهما: “الفتاة الّتي لا تعرف كيف تبكي”، و”الفتاة السيئة إيلي”.
الفتاة التي لا تعرف كيف تبكي:
هي قصص للفتيان والفتيات، مكوّنة من 20 قصة منفصلة، تصف 20 شخصية أو نمطًا، القصص تبدو بسيطة ولكن يمكن قراءتها كل مرة بمعنى مختلف.
((بالمناسبة، تقسيم القصص إلى عنوانين منفصلين (للفتيات والفتيان) عن عمد، ولكن هذا التقسيم وفقًا للنماذج التي تُقدِّمها القصص وليس على الإطلاق وفقًا للانتماء البيولوجي لهذا الجنس أو ذاك، حتى تتمكن الفتيات من قراءة قصص الأولاد ونماذجهم، ويقرأ الأولاد قصص الفتيات ونماذجهن. على أي حال، اقرأها كما تريد)).
من مقدمة المؤلف على مدوّنته.
المجموعة هي أول تعامل بيني وبين اللغة الروسية في الأدب الحديث، الدراسة الجامعية غالبًا ما تركز على الكتّاب البارزين وأعمالهم، وكذلك تاريخ الأدب، تاركين الأدب الحديث دون مساس، لذا تحدّيات هذه الترجمة هي التقصّي حول المصطلحات والعبارات الحديثة المستخدمة يوميًا، لكن المجموعة لم تحتوِ على لغة صعبة كونها موجّهه إلى الأطفال في المقام الأول.
في هذه المجموعة سوف تقابِل الفتاة التي تمتلك القدرة على الطيران والتي تخاف الحبّ، والفتى يحقق المعجزات، والفتى الذي أراد العودة إلى المنزل، هؤلاء الأطفال هم نحن وقراراتنا التي نتخذها ولا نعرف تأثريها.
((لا يُعرف الإيمان بالصواب والخطاء بل بالإخلاص نفسه، يمكنك أن تخسر كل شيء، ولكن إذا كنت تؤمن حقًا، فعندئذ حتى عندما تغرق في القاع ستكون أكثر ثراءً من أي شخص آخر، يجب أولا أن تتعلم القدرة على الإيمان بصدق مثل أي شخص آخر، لكن موضوع إيمانك أيا كان هو أمر يخصك وحدك)).
من قصة “الفتى الذي آمن بنفسه”.
لاقت القصة نجاحًا نسبيًّا وقرأها عدد من الناس وأعجبوا بها، وبهذا أكون قد كسرتُ الحاجز الأول، وهو كوني مترجمة مبتدئة بلا تجارب منشورة سابقًا، لكن نستطيع القول إن هذه المجموعة وجدت الاستحسان طبقًا لطبيعتها ولغتها البسيطة وقصصها القصيرة المناسبة للقراءة في أي وقت.
الفتاة السيئة إيلي:
أردتُ إعادة التجربة، لا لشيء إلا لأنني اكتشفتُ في المدونة قسمًا آخر ذو قصص ساحرة، ويبدو أنني لم أكن الوحيدة التي أحبّت أسلوب الكاتب وطريقة كتابته للعناوين.
“الفتاة السيئة إيلي” هي مجموعة قصصية ولكن هذه المرة هناك بطلة واحدة وهي فتاة سيئة، لم يحدد الكاتب هذه المرة إذا كانت القصص مصنَّفة للأطفال أم لا، لذا لم أعطِ لنفسي حقَّ فرض هذا الرأي لمجرد كون البطلة طفلة.
ربّما يجد القرّاء أنفسُهم مشكلة مع التصنيف، لأن هذه المرة لا يتعلق الأمر ببراءة الأطفال، بل بتفسيراتهم للمصائب، والتي قد تبدو بعضها منطقية وبعضها يبدو كارثيًا ويجعلنا نتساءل عن المحق والمخطئ في التربية.
((إذا كنتِ مهتمة لمعرفة الأمر فإنني أخاف أكثر من الجميع. لكن لا أحد يعلم بهذا. لأن إيلي عندما تخاف لا تبكي مثل ما تفعل الفتيات الحمقاوات مثلك، بل أتعلم المقاومة والقتال، وبينما تقومين بهذا لن تجدي وقتًا للخوف)).
من قصة “الفتاة التي تخاف الظلام”.
لم تكن قصص إيلي واقعية للغاية بل استخدم الكاتب أسلوبًا جديدًا، وأنشأ قسمين: القسم الأول هو القصص الواقعية حيث مغامرات إيلي في المدرسة والبيت والشارع، والآخر هو قصص إيلي الخرافية حيث بيئتها الطبيعية المدرسة والبيت لكن هذه المرة تلتقي الفتاة بوحش وجنيات وحذاء مسحور وبساط سحري، كيف سوف تتصرف فتاة سيئة مثل إيلي مع هذه العناصر المسحورة يا ترى؟
خاتمة:
هل سوف أكرر هذه التجربة مرة أخرى؟ لا أعلم في الحقيقة، ولكنني تخطيت حلمًا بترجمة عمل حديث، ومع ذلك لقد كان مجهودًا شخصيًّا خالصًا من قِبلي ومساعدة مجموعة من أصدقائي، بدءًا بالترجمة ومرورًا بالتنسيق والمراجعة اللغوية والغلاف، ورغم ذلك فقد خرَج العمل بشكلٍ لائق، ولكن ليس خاليًا من الأخطاء، ربما في المستقبل أجد عملًا آخر يستحق أن أترجمه وأنشره إلكترونيًا ليراه أكبر عدد من الناس، لأنه وكما يبدو لا حافز يدفعني لخوض هذه التجربة مرة أخرى غير جودة العمل أو تقديم شيء جديد للقارئ العربي.
آية حسن حسان
اقرأ أيضًا:
قصة كتاب
مراجعة رواية “الغريب” لألبير گامو
3 تعليقات