وداعا شيخ المحققين
وداعًا شيخ المحقِّقين
لم يكن أستاذًا عاديًّا، ولا محقِّقًا هامشيًّا، بل كان شعلة من نور في دنيا الظلام، وهو بقلمه يفتّش عن الكنوز المدفونة التي لا يراها سوى المبصرون.
لقد أبصر شيخنا وأستاذنا محي هلال السرحان منذ ريعان شبابه أهمية نشر العلم وتعليمه للناس، فعلى الرغم من تخصصه في الفقه المقارن إلّا أنه كان شديد الحرص على ترك بصمة في مسيرته العلمية، ففضلًا عن تلامذته والدروس التي انتشرت في مختلف مدن العراق إلا أنه أبى إلا أن يسجّل اسمه في عداد أصحاب الهمم.
لقد أحيا شيخنا العديد من المخطوطات التي كانت حبيسة الرفوف، لا يعلم قيمتها سوى مَن أدرك أهمية العلم الذي لم ير النور بعد.
أجاد وأبدع في تحقيق المخطوطات الإسلامية بمختلف صنوفها وفنونها، فكان بحق شيخ المحققين الذين لم يكن همهم سوى التعريف بها ونشر فوائدها، ولم يكتفِ بذلك بل سارع إلى عمل الدورات العلمية والعملية في تحقيق المخطوطات، فتارة تراه يكتب وأخرى يدرب المتعلمين، ويشرح بإفاضة حقيقة التعامل مع النص، بكل بساطة وفهمٍ دقيق.
لم تغره المناصب أو الوظائف بل لم تجد طريقًا إلى قلبه ليتعلّق بها، فعلى الرغم من توليه عددًا من المناصب لكن قلبه وهمته كانت في نشر العلم سيما المخطوطات منها حتى لُقِّب بشيخ المحققِّين.
رأيته عالمًا متواضعًا على جبينه حياء العلماء الربّانيين وتواضع الصالحين، غير معجب بعمله بل جلّ همه أن يؤدي رسالته.
وكان يستقبل الطلبة والسائلين عن مبتغاهم في بيته الذي ملأته المكتبة العامرة، فكأنك في إحدى مكتبات بغداد الرشيد.
وعندما تجالسه تنبهر بعلمه ودقة ملاحظته، والأجمل من ذلك قلمه النشيط ومكبرة الكلمة التي لا تفارقه في البحث عن الكلمات التي تصعب علينا قراءتها.
جلسة معه تغنيك عن مجالسة الآخرين، فهي محفوفة بالعلم والتواضع وهيبة العلماء التي تشعرك بطعم حِلَق العلم.
ولا أدل على ذلك من تلك المؤلفات التي وضعها شيخنا المحقق سواء تأليفًا أو تحقيقًا أو نشرًا.
رحمك الله شيخنا المحقق، وجعل كل ذلك في ميزان حسناتك، وصدقة جارية جزاء ما عملت وما علّمت لطلبتك ومحبيك.
وداعًا شيخ المحققين.. ونسأل الله أن يجبر مصابنا بمَن يقوم بما قمت به ويسير على دربك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أ.د. عمار مرضي علاوي
(رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب – الجامعة العراقية)
__________________________________________________________________
اقرأ أيضًا: