فلسفتي في الحياة، بخط محيي هلال السرحان
زاوية بعنوان
“فلسفتي في الحياة”
يقدّمها أ. حميد المطبعي
بخط أ.د. محيي هلال السرحان
حققها وقدّم لها بنبذة مختصرة:
د. إبراهيم محمد آل فيزي
(باحث في الفقه الإسلامي وأصوله، من العراق)
وُلِد الأُستاذ الدكتور محيي هلال السرحان العجيلي في مدينة تكريت عام (1351هـ/1932م)، وتلقَّى تعليمه الابتدائي فيها. أَمَّا مرحلة الدراسة الثانوية فقضاها في مدينة سامراء. ثمَّ دفعته الرغبة إلى إِكمال دراسته، فالتحق بكلية الشريعة ببغداد حتى تخرَّج فيها عام (1959م) وواصل دراسة الشريعة الإِسلامية فحصل على الماجستير فيها من جامعة بغداد بدرجة امتياز عام (1971م) ثمَّ سافر إِلى مصر، حيث حصل على الماجستير أَيضًا من كلِّية الشريعة والقانون بجامعة الأَزهر عام (1974م) ثمَّ على الدكتوراه منها عام (1982م) في الفقه المقارن بمرتبة الشرف الأُولى.
اشتغل مدرِّسًا في معاهد المعلِّمين في الكوت وبعقوبة، وباحثًا علميًّا في المناهج والكتب بوزارة التربية، والمَجمع العلمي العراقي، ثمَّ نُقل للتدريس في جامعة بغداد في كلِّية الآداب، وتنقَّل بين العديد من الكلِّيات العراقية.
كُتبه:
يبدو أَنَّ الدكتور محيي هلال السرحان كان قد امتلك مقدرة مبكِّرة على كتابة البحث العلمي، فقد نشر أَول بحث له في مجلَّة العلم الجديد عام (1975م) وهو ما يزال طالبًا في الكلِّية، وقد كان (البحث) عن المعلِّم العربي في العصر الأموي. وأَثناء عمله في المجال الجامعي نشر عددًا كبيرًا من البحوث في مجلَّات كثيرة منها مجَّلة كلِّية الآداب، والمَجمع العلمي العراقي، والموارد، والرسالة الإِسلامية، وغيرها.
أَلَّف العديد من الكتب سواء كانت منهجية أَو تعليمية، وساهم في بحوث متعدِّدة داخل وخارج العراق.
وقد كتب عنه كثيرون منهم الأُستاذ حميد المطبعي في موسوعة (أَعلام وعلماء العراق) وقال عنه أَنَّه باحث علمي أَلَّف وحقَّق كتبًا عديدة، وممَّا أَلَّف كتاب (القواعد الفقهية) طبع سنة (1979م).
كما كتب عنه المؤرِّخ والكاتب المصري الأُستاذ محمد عبد الغني حسن، وامتدحه.
وللأُستاذ الدكتور محيي هلال السرحان نظريَّة في تحقيق المخطوطات ذكرها في كتابه (تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية)، وله نظريَّة أُخرى في فهم الفقه الإِسلامي أَودعها في كتابه عن القضاء والقواعد الفقهية.
تحقيقاته: لقد حقَّق الكثير من المخطوطات في العلوم الشرعية منها:
* أَدب القاضي، للماوردي، دراسة وتحقيق (رسالته للماجستير): ط1، مطبعة الإِرشاد، بغداد. ج2، مطبعة العاني، بغداد عام 1972م.
* أَدب القضاء، لابن أَبي الدم الحموي الشافعي: (رسالته للدكتوراه): مطبعة الإِرشاد، بغداد، 1984م، ج1+ ج2.
* أَدب القاضي للخصاف: ج1 + ج2، مطبعة الرشاد، بغداد، (1977-1978م).
* تسهيل النظر وتعجيل الظفر، للماوردي: مطبعة النهضة العربية، بيروت، 1981م.
* سير أَعلام النبلاء، للذهبي، ج،21،22، 23، مطبعة الرسالة، بيروت، 1984-1985م.
* أَدب الفتيا، لجلال الدين السيوطي، مطبعة الإِرشاد، بغداد، 1986م.
* تحفة نجباء العصر، للأَنصاري، مطبعة الإِرشاد، بغداد، 1986م.
مؤلَّفاته: له مؤلَّفات عديدة، منها:
– تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية.
– أُصول تدريس اللُّغة العربية والتربية الإِسلامية.
– القواعد الفقهيَّة ودورها في إِثراء التشريعات الحديثة.
– الشهادتان، معناهما وفضيلتهما وأَحكامهما والتوحيد بهما.
– النظرية العامَّة للقضاء في الإِسلام.
– الوجيز في اللُّغة العربية لغير المتخصِّصين.
– أُصول البحث وتحقيق النصوص في العلوم الإِسلامية.
– اشترك في تأليف كتاب عن تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية.
– اشترك في تأليف كتاب عن المكتبة وأُصول البحث، وهو كتاب منهجي.
– اشترك في تأليف كتاب في الخطابة، وهو كتاب منهجي.
– اشترك في تأليف كتاب عن مناهج المفسرين، وهو كتاب منهجي في كلِّية العلوم الإِسلامية جامعة بغداد.
– اشترك في تأليف كتاب دروس في قواعد اللُّغة العربية وآدابها، وهو كتاب منهجي.
– اشترك في تأليف كتاب في الفقه الإِسلامي وهو كتاب منهجي مقرَّر تدريسه في المعاهد الإِسلامية.
كتاباته الشعرية: كان الأُستاذ الدكتور محيي هلال السرحان فوق هذا وذاك، شاعر وله قصائد منشورة في عدد من المجلَّات العراقية والعربية، أَمثال: يوم الضاد، بغداد في وهج الخُطوب، من وحي المولد، على أَعتاب رمضان.
إشرافه على الرسائل والأطاريح: أَشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه وحضر ندوات ومؤتمرات كثيرة داخل العراق وخارجه، وله حضور كبير في المشهد العلمي الأَكاديمي في العراق المعاصر، وله تلاميذ كُثُر. وقد شرَّفني الله بأَن كنت آخر الطلاب الذين أَشرف عليهم في حياته العلمية في دراستي للدكتوراه في جامعة تكريت، وقد تمَّت مناقشتي يوم (3/6/2024م).
المناصب والعضويات:
أَسهم في نشاط كبير في عدد من الجمعيَّات والمؤسَّسات وشغل العضويات التالية:
– عضو في اتِّحاد الكُتَّاب والمؤلِّفين/ بغداد / (1972م).
– عضو الجمعيَّة التأريخية / بغداد / (1981م).
– عضو اتِّحاد المؤرِّخين / بغداد / (1984م).
– عضو نقابة المعلِّمين.
– عضو نقابة الصحفيين.
– مدير تحرير مجلَّة الشريعة والقانون / (1989م).
– مدير تحرير مجلَّة الرسالة الإِسلامية / (1991م).
وفاته:
تُوفِّي الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان -رحمه الله تعالى- يوم الاثنين: (29/ تموز/ 2024م، الموافق 25/ ذي الحجة/1445هـ) عن عمر ناهز 92 عامًا.
أَسأَل الله أَن يُسكنه الفردوس الأَعلى من الجنَّة.
================
فلسفته في الحياة:
- هل أَنت في دائرة مفتوحة؟
نعم، فإِنَّ آفاقي مفتوحة لا تحدّها دائرة.
- كيف تتعامل مع ذاتك؟
بالشدَّة والقوَّة والهجران فأَحملـهـا في كثيـر من الأَحيان، ما لا تطيق من الصبر والحرمان.
- تواضعك الدائم ماذا يدل؟
يدل على اعترافي بعجزي وتقصيري.
- ما الفرق بين النقطة والصفر؟
النقـط عندي وجــود * والصفر عندي عدم
والكتب عندي جنود * والمَجد عندي قلـم
- أَيّهما أَكثر حرامًا الحبُّ أَم الشق؟
الحبُّ والعشق واديان من وديان الشوق يؤدِّي التمادي في الأَول إِلى الثاني.
- كم في رأسك من غيبيات؟
كثيرة… ولكنَّها خطوط مستقيمة…
- كم في أَعماقك من خلُق؟
كثير…
ولكنَّه خطوط منحنية ليست مغلقة.
- هل يجوز أَن يكون صوت الخطيب مبحوحًا؟
نعم، إِذا كان لا يسمعه الحاضرون أَو لمعناه لا يتأَمَّلون…
- مَن هو شبيهك في الحياة؟
المقدسي، فإِنَّه ذكر في مقدِّمة “أَحسن التقاسيم” أَنَّه لم تعقه كثرة المحن عن المضي في بلوغ هدفه.
- هل صحيح أَنَّ لكلِّ إِنسان خصومًا؟
نعم… إِن لم يكونوا في الحياة ففي نفسه.
- هل صحيح أَنَّ الرأفة أَعلى قيمة من الرحمة؟
لا… فهما نور في القلب المؤمن.
- ثلاثة شروط للقاضي العادل؟
مخافة الله، الصبر، العلم.
- ثلاثة شروط للتاجر النزيه؟
صدق، إِیمان، سماحة.
- كيف تُصحّح خطأ وقعت فيه؟
إِن كان مع الله فبالاستغفار والتوبة..
وإِن كان مع العباد فبالإِحسان لأَنَّ الحسنات يُذهبن السيِّئات..
- أَيُّهما يَغلِب: العيب أَم العادة؟
العادة سيف مصلت ولكنَّ العيب صخرة مثلمة.
- أَنت من أَيِّ القضاة؟
أَنا في سوح الفضاء زورق. . .
معتدل، لا ينثني، لا يغرق. . .
أَمواجه من الفضائل تعبق. . .
يخشى الإِله وللحقيقة يعشق. . .
وكل ما فيه جميل مورق. . .
- هل صمتك عادة أَم سلوك؟
صمتي کصمت الخاشعين تفكرُ
وولوج درب الخاشعين ميسّرُ
بالعزم بالتصميم بالعمل الذي
يسمو ويشرف فهو لا يتعثّرُ
- ما الرجل الذي لا يضبط المواعيد؟
جسم بلا روح. . .
- هل سمعت أَنَّ رجلًا فاز برضا الجميع؟
لا، فرِضا الناس غاية لا تُدرك.
- هل كل حرام شر؟
نعم، فقد قضت حكمة الله ومشيئته أَن لا يحرم شيئًا إِلَّا لحكمة قد نُدركها وقد لا نُدركها.
- ما الفرق بين الخطأ والصواب؟
فرق ما بين الخيانة والوفاء.
- متى يخطئ الزاهد؟
إِذا غالى في زهده.
- إذا وضعوا رجلًا وامرأة على منصة القضاء فأَيّهما أَعدل؟
أَعدلها مَن كان أَعدلهما.
- اكشف صفة من صفاتك العقلية لا يعرفها الأَكاديميون؟
ما قلت عن شيء يكون: لا يكون.
- قل شيئًا أَشبه بالحكمة؟
ما أَكثر عيوب الإِنسان، وما أَسهل علاجها، ولكنَّها قد تستعصي على ضعيف الإِرادة.
===================
مَن لهم تأثير في حياتي:
قال عزَّ وجلَّ: ((لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة)) (الأَحزاب: ٢١) فالرسول الكريم سيّدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) هو قدوتي، وهو المؤثِّر الأَول في حياتي، أَسعى جاهدًا للاتِّصاف بصفاته والسير على نهجه، وقد قال تعالى: ((وَمَا آتاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنْهُ فَانتَهُوا)) (الحشر: ٧) عسى أَن يحشرني ربِّي تحت لوائه يوم القيامة. وقد قال (صلى الله عليه وسلم): ((المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَب)).
أَمَّا مَن لهم تأثير في حياتي من الناس: فمن الناحية الشخصية والِداي كِلاهما كان لهما أَكبر الأَثر في توجيهي ومسيرتي.
وأَمَّا مَن لهم تأثير فيّ من الناحية العلمية فأَساتذتي الذين درست على أَيديهم، وعلى رأس قائمتهم:
جدِّي لأُمي وهو عبد الرحمن محمد طاهر (قاضي تكريت سابقًا). والحاج صالح محمد (معلِّم وإِمام وخطيب في تكريت). والشيخ أَيوب الخطيب (في سامراء). والشيخ أَمجد الزهاوي (في بغداد). والشيخ عبد القادر الخطيب (في بغداد). والأُستاذ محمد شفيق العاني (في بغداد). والشيخ صفاء الدين (شيخ الحلقة في بعقوبة). والشيخ بدر الدين عبد الباسط المتولِّي (في مصر). والشيخ محمد عبد الرحيم الكشكي (في مصر). والشيخ عبد المقصود شلتوت (في مصر). والشيخ عبد الغني عبد الخالق (في مصر). والشيخ شعيب الأَرناؤوط (في سوريا سابقًا، والآن في الأردن). وغيرهم، وهم كثيرون.
أَمَّا الذين لم أَدرس على أَيديهم بل تأثَّرت بكتبهم فعلى رأس قائمتهم: الإِمام محمد بن إِدريس الشافعي المتوفى (٢٠٤هـ) الذي أنتمي إِلى مذهبه الفقهي. والإِمام أَبو الحسن الماوردي المتوفى (450هـ). والإِمام أَبو حامد الغزالي (٥٠٥هـ).
نموذج مِن نَظْمي بخطِّي الكليل:
نظمتُ في يوم الضاد الذي يصادف عندنا في العراق الخامس والعشرين من تشرين الأَول من كلِّ عام في يوم الاثنين (25/10/ 1993م) قبل دقائق من الاحتفال وقد كانت لي فيه كلمة:
((يوم الضاد))
حيّيت عيدك حرف الضاد مذ كتبوا
تزهو برونقك الأَقلام والكتبُ
يا يوم عيدك تجلى فيه مفخرة
يحكي خصائصها التاريخُ والأدبُ
سطّرت في حقب التاريخ معجزة
قد صار يفخر فيكِ العجم والعربُ
فاهنأ بعيدك حرف الضاد مبتهجًا
أَنت الكرامة أَنت العزّ والنسبُ
قال السرحان عن اللُّغة العربية:
هناك ترابطٌ بين العلوم الشرعية واللغة العربية، إِذ لا يمكن فهم القرآن الكريم دون معرفة اللُّغة والتعرُّف على إِعراب كلماتها ودلالاتها، ثمَّ انَّني لا آتي بجديد عندما أؤكد هذه العلاقة والترابط فهي موجودة مترابطة لدى بعض العلماء العرب، وهي تواصل ترابطها مستندة إِلى مراحل طويلة من التفاعل، وهي تشكِّل امتدادًا لتراثنا العربي، ونكون أَبناء وتلاميذ أُولئك الَجداد الذين استوعبوا وامتلكوا علوم وثقافات عصرهم وكانوا من الموسوعيين المبدعين وتقسيم الوقت من أَهمِّ أَسباب النجاح إِضافة إِلى حبِّ المادة التي أَكتب فيها. علينا أَن نُعزِّز ما عمل عليه أَسلافنا والاستفادة منه في هذا الوقت، إِذ ليس بالإِمكان أَن ننفكَّ عن تراثنا الذي قدَّم الكثير للإِنسانية لاسيما في العلوم الشرعية، وانَّني أُواصل التأليف والتحقيق في هذه المجالات فأَتوخى خدمة كتاب الله إِضافة إِلى ما ذكرت، ثمَّ هي استجابة لاحتياجات طلبتنا في الدراسات الأَولية والعليا وتعزيز العلاقة بين التراث والقضاء في الوقت الحالي. نعم هناك صعوبات يواجهها الطلبة والمهتمون باللُّغة وقد انتبه جمهرة اللُّغويين إِلى ذلك، وقام مَجمع اللُّغة العربية في القاهرة بنقد النحو المنهجي للدارسين، وقام المَجمع العلمي العراقي بدراسة ومتابعة هذه الظاهرة، وكنت طوال عشرين عاما أَعمل في لجنة الأُصول الخاصَّة بدراسة المشكلات التي تواجهها اللُّغة العربية، وقد درست اللّجنة الكثير من الموضوعات المتعلِّقة بذلك، ولأَهمية تلك المحاضر بادرت إِلى جمعها، وكتب مقدمتها الدكتور عبد الرزاق محيي الدين وقدَّمتها إِلى مجلَّة المَجمع العلمي ولا أَعلم هل نُشرت أَم لم تُنشر لحدِّ الآن؟
لا شكَّ أَنَّ أَفضل تجربة في التعامل مع اللُّغة هي تجربة العراق، حيث كانت هناك لجنة عليا مختصَّة في الحفاظ على سلامة اللُّغة العربية، وكان المَجمع العلمي العراقي يُواصل جهوده الكبيرة في هذا المجال، ومن الضروري استمرار هذه الجهود وتطويرها إِلى ما يؤدي إِلى العناية باللُّغة ومنحها استحقاقاتها وما تشكِّله في حياة وثقافة وتأريخ العرب والمسلمين.
إِنَّ المعالجات أَوسع من ذلك فكثرة الأَخطاء ناتجة عن عدم العناية باللُّغة في مختلف المستويات وأَرى أَن تشمل العناية جميع المستويات، وأَن نبدأَ من الدراسة الابتدائية فنخصِّص لكلِّ فرع من فروع اللُّغة العربية درجة كاملة، فالقراءة منفصلة عن الخطِّ وكلاهما منفصل عن المحفوظات، وهذه الدروس منفصلة عن المحادثة والإِنشاء، وأَن يتمَّ ذلك بعد تبسيط قواعد اللُّغة العربية والاقتصار على المشهور منها وتجنُّب التعقيد.
_________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا:
في حزنها سمو
إهداءات محمد بهجة الأثري لعلماء عصره