العدد السادسمقالات

كيف تتقن قواعد الإملاء في الكتابة

كيف تُتقنُ قواعد الإملاء في الكتابة؟

قواعد الإملاء

محمد موسى كمارا*

 

فنُّ الرّسم، أو (الإملاء) كما يُسمَّى في زماننا، من الفنون المقصَّرِ في درسها والتّهدّي إلى دقائقها، وهو فنٌّ عظيمٌ يزول به اللّبس والإبهام بين الكلمات المتشابهة، وتتبيّن الأصول التّصريفيّة لكثير من الكلمات والألفاظ، ويظهر شعور الكاتب مكتوبًا بإقامة علامات التّرقيم استفهامًا، وتعجُّبًا، وتقسيمًا، وغير ذلك من الأغراض التي تدلّ عليها هيئته وصوته لو كان يتكلّم أمام النّاس.

وقد تنازعتْ هذا الفنّ بليّتان عظيمتان، هما: خطأ كثيرٍ من المدرّسين في أسلوب تعليمه للنّاشئة، وتهاون أكثر النّاس في إقامة قواعده، والاهتمام بقوانيه. فتسرّب الخلط إلى كتابات الخاصّة فضلًا عن العامّة، ولئن سألت الذين يمارسون (التّدقيق اللّغويّ) عن أعقد الصّعوبات التي يلقونها في تدقيقهم للكتب والرّسائل، ليقولُنَّ: الأخطاء الإملائيّة؛ فهي التي تجلب إلينا الصّداع، وتشكّكنا أحيانًا في نيّة الكاتب في احترام القرّاء! وقد صدقوا؛ لأنّ بليّتين شديدتين اجتمعتا على هذا الفنّ كما ذكرت قبل قليلٍ.

الإملاء فنٌّ دقيقٌ مختلفٌ عن النّحو، والصّرف، وعن غيرهما من الفنون والعلوم من حيث انحصار مسائله، وإمكانيّة الإلمام به بدراسة كتابٍ أو كتابين دراسةً فاحصةً متقنة، وهو في ذلك قريبٌ من علم العروض؛ وأرى أنَّ كتاب (قواعد الإملاء) للعلّامة المحقّق عبد السّلام هارون، جمع مسائل الإملاء وأوعى، وضمّ – كما قال – إلى الاستيعاب والإيجاز قرب المأخذ، ووضوح المنهج، فهو كافٍ لتسهيل متن هذا العلم، وتجنُّب مزالق الكتابة والرّسم.

ولكنَّ الإملاء فنٌّ دقيقٌ كما أسلفتُ، سريع الإفلات من القارئ، لا يكاد يستوعبه إلّا بصعوبةٍ وعسر؛ ولذلك يجب أن يكون المنهج في قراءة كتاب عبد السّلام هارون متّسمًا بالأناة والتّرتيب؛ فلا يقرأه سريعًا كعادته مع الكتب الأخرى، بل يقرأ منه بابًا كلّ يومٍ، ملتزمًا بالتّكرار والمعاودة؛ فيقرأ أحكام الهمزة وحالاتها في أوّل الكلمة، وفي وسطها، وفي آخرها، ثمّ يدرس الألف اللّيّنة ومواضعها طرفًا ووسطًا، ويدرس الوسائل التي يُعرف بها الواويّ منها واليائيّ، ثمّ ينتقل إلى حروف الزّيادة، ثمّ إلى حروف النّقص، ثمّ يدرس الفصل والوصل (وهما في الإملاء مختلفان عمّا هما عليه في علم المعاني)، ثمّ ينتقل إلى باب النّماذج والتّعليلات لرسم الهمزة والألف، ثمَّ يتوجّه إلى الخاتمة في محسّنات الكتابة، وتجميلها، وتيسيرها، ثمّ يدرس باب علامات التّرقيم، وهو باب نفيسٌ يخطئ فيه كثيرٌ من النّاس.

وكلّ هذه الأبواب مذكورة في الكتاب، ويجوز للقارئ أن يكسر (أي يقسّم) بابًا واحدًا على عدّة أيّام، بناءً على مستوى فهمه، ومدى إدراكه للمسائل؛ فالغاية هي الفهم، وليست الانتهاء من القراءة.

ولا ينفع العلم بلا عمل؛ فيجب عليك – بعد قراءة الكتاب على هذا النّحو من الأناة، والبطء، والتّكرار، والحرص على الفهم والاستيعاب – أن تطبّق ما قرأته في كلّ ما تكتب، فتنبذ عن نفسك التّهاون في إقامة قواعد الإملاء، في أيّ مجالٍ كتبت، وفي أيّ حالٍ أعملت القلم، حتّى في الرّسائل الخاصّة بينك وبين أصدقائك، وقد يصعب عليك الأمر في البداية، ولكنّه في النّهاية سهلٌ ميسورٌ، وسعيٌ مشكورٌ.

*محمد موسى كمارا (باحث في اللغة العربية وآدابها، من غينيا)


أقرأ أيضًا:
الفرق بين الخطة بالكسر والخطة بالضم
أثر الأعراف الإدارية في شيوع الأخطاء اللغوية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى