عودة الإسلام إلى غرناطة
عودة الإسلام إلى غرناطة
يوسف نابارو·
تَقول أسطورة محلية إنّ روح أبي عبد الله تّتجوَّل في الحمراء ليلًا عِقابًا لَه على استسلام غَرناطة، وأنّها تنتظر فارسًا، وسيفتح بمفتاح سِحْري بابَ الشريعة -وهي من أهم أبواب الحمراء- للإسلام من جديد، لِكَيْ تَرْتَقِيَ روحُ أبي عبد الله إلى السماء في سلام… ولكن ليست إلا أسطورة.
كُلنا نعرف أنَّ المسلمين قد استقَرّوا في أجزاء من إسبانيا لِما يَقْرُبُ من ثمانية قرونٍ قبل أنْ يتمكّنَ المَلِك فرديناند والملكة إيزابيلا من السيطرةِ على غرناطة وإعادتِها إلى الحُكْم الكاثوليكي عام 1492م وقاما بِطَرْدِ آخِرِ الملوك المسلمين إلى المنفى في شمال أفريقيا، غَيْرَ أنّهم نَكَثوا بِعَهْدِهم للمسلمين الخاص باحترام الدين الإسلامي، وبعدَها بعَشرِ سنوات خَيَّروا السُكّان المسلمين بين التحَوُّل إلى المسيحية أو الهِجْرة من غرناطة.
وفي بداية سبْعينات القرن الماضي، وحوالي خمسمئة عام بعد سقوط مدينة غرناطة في أيدي قشتالة، وعَقِبَ مشاكل وعَقَبات كثيرة، بدأت مدينة غرناطة من جديد تهتمّ بالدين الإسلامي الذي كان له جذور عميقة واضحة في هذه الأرض.
ويُفَسَّر هذا الاهتمام بعوامل عديدة:
أولًا دور السياسة المحلية بعد نهاية نظام الديكتاتور فرانكو.
وقد حاوَل ساسَة غرناطة، في تلك الفترة الزَمَنية، تحويل غرناطة إلى مدينة “جِسْر بين أوروبا والمغرب وبقية العالم العربي، بسبب جذورِها الثقافية وتاريخها الإسلامي”.
وهكذا، عن طريق وِزارة الخارجية والحكومة الإسبانية، فقد بادروا إلى الحوار والاتصالات مع الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، بقَصْدِ إنشاء جامعةٍ أوروبية-عربية في غرناطة، على الرغمِ من مقاومة فرنسا، كالعادة، للمشروع.
وحاولوا كذلك أنْ تصبحَ المدينة عاصمة الثقافة الأوروبية سنة 1992م.
وقد فشلوا في كِلا الهَدَفين، ولكن رغمَ ذلك، اتخذت البلدية مجموعة من التدابير من أجل استرجاع وتعزيز الجذور التاريخية والإسلامية في المدينة، وعلى سبيل المثال فقد قامت بأعمال الترميم في عدة مبانٍ إسلامية وعلى الخصوص في حي البيازين التاريخي، وأقامَت علاقات وطيدة مع بعض المدن العربية مثل تلمسان في الجزائر، وتِطوان ومرّاكُش في المغرب.
وفي هذا السياق، وصلت إلى غرناطة من مدينة إشبيلية الجماعة الإسلامية الأولى، المتكونة من إسبانيين متصوّفين قد اعتنقوا الإسلام حديثًا تحت قيادة الشيخ عبد القادر الصوفي.
ومن كان ذلك الرَجُل؟
الشيح عبد القادر الصوفي رحمه الله (بالإنجليزية: المولود Ian Dallas) كان شيخًا صوفيًا وفَيْلَسوفًا وكاتبًا دينيًّا من أصل أسْكُتْلَنْدي بريطاني. وكذلك كاتبًا مسرحيًا وممثلاً فَنّيًّا قبل أن يتحوّل إلى الإسلام في جامع القَرَويين في فاس عام 1967م.
وحين عاد إلى بلاده بدأ في إدارة زاوية “مسجد صغير” خاصة به في بريطانيا، وبدأ في نشر الممارسات الصوفية التي نقلها عن الطريقة الدرقاوية الشاذلية المغربية، ونظرًا لِما بَدَرَ منه من سَمُوّ روحيّ كبير وأخلاقيات الزُهْد والتعَمُّق الفَلْسَفي، جذبَ أنظار العديد من البريطانيين، مسلمين وغير مسلمين، حتى بات رمزًا للتصَوُّف في البلاد. (ولا تختلف بريطانيا كثيرًا عن بقية الدول الأوروبية في فتح المجال أمام الطقوس الصوفية للانتشار والتمدد في مقابل تضييق الخناق على الإسلام الأصولي، وهو ما أرجعَه الكثير من الباحثين إلى إيجاد الغرب في التيار الصوفي ضالته لأداء دور “الإسلام البديل” في مواجهة الوهابية والسلفية التي تعزز المبادئ والقيم التي لا تتناسب مع الغرب).
وبعد تلك الفترة الابتدائية أسس عبد القادر الصوفي “حركة المرابطين العالمية”، وألّف العديد من الكتب عن الإسلام والتصَوُّف والنظريات السياسية.
وفي نهاية الأمر قرَّر التنَقُّل مع جزء من تُبَّاعِه إلى جنوب إسبانيا، رَغْبةً مِنهِ البحث عن سياق ثقافي وتاريخي مناسب لإعْداد مشروعِهِ الديني.
وفي الوقت نفسه وصلت إلى غرناطة مجموعة أخرى متكوّنةَ من أفراد الحركة الشبابية هيبيز (hipies) المناهضة للقيم الرأسمالية، هذه المجموعة كانت من قبل مستقرة في منطقة البُشَرات في مقاطعة غرناطة.
واعْتُنِقَ الإسلام بسُرعَة، وأصبحتْ الفِرقَتان جماعة واحدة ترأّسَها الشيخ عبد القادر الصوفي. وسُمِيَّت بـ”الجماعية الإسلامية في إسبانيا” أو “جماعة من أجل عودة الإسلام إلى إسبانيا”، وجعلت مقرَّها في حي البيازين.
نحن الآن في بداية الثمانينات من القرن الماضي في حي البيازين التاريخي. في ذلك الوقت عانى هذا الحي من مشاكل اجتماعية متعددة، بينها الإهمال والفقْر، ووجدت أغلبية من مبانيها في حالة مؤسفة.
وفي هذا السياق، بدأت هذه المجموعة من المسلمين الجدد بشراء أو كراء منازل ومحلات تجارية في منطقة حي البيازين الأدني قرب القيصرية،
واستقبلوهم سكان المنطقة بمَزيج من الفضول والرَيْبة، لأن لأولائك المسلمون، الجُدد في الحي، صفات ثقافية واجتماعية مختلفة تمامًا وغريبة جدًا بالنسبة لهم، وعلينا أن نتذكر أنّ في ذلك الزمن كان الإسلام شِبْهِ غائب في المدينة، ولم يصل بَعْد في ذلك الحين المهاجرون من شمال أفريقيا وعلى الخصوص المغاربة إلى مدينة غرناطة.
ومن الجدير بالذكر أنّ لهذا الحي هو موْقعًا استراتيجيًا بسبب قُرْبه من مركز المدينة، وكذلك بصِفتِهِ نقطة اتصال بين ضواحي غرناطة ووَسَطِها، وعملت هذه الجوانب على تسهيل إقامة متاجر وأنشطة اقتصادية أخرى مرتبطة بالثقافة الإسلامية والسياحة، وأصبحت المنطقة كجزء صغير من العالم العربي في أوروبا، بمطاعم عربية وشرقية وأماكن الشيّ ومَجْزَرات حَلال إلَخ، مُكَمِّلًا الزيارات إلى قصر الحمراء، القريب، مِن قِبل السياح. ولهذا السبب أصبح في السنوات التالية محورًا لاستِقْطاب عددٍ كبيرٍ من المهاجرين المغاربة ومن بلدان عربية أخرى، وفي نهاية الأمر أصبح أحد المحركات الإقتصادية من المدينة.
واليوم، إذا تجوَّلنا في حي البيازين، هذا الحي الذي تم إنشاؤه في الأصل لاستقبال اللاجئين المسلمين الذين هربوا من زَحْف الجُيُوش المسيحية إلى شمال البلاد، فسنجِد في شوارعه وأزقَّته المُفعمة برائحة الهَيْل مطاعِم مغربية ولبنانية مُريحة وفنادق دولية وكذلك لافتات متعدِّدة اللغات. والموسيقى التي يعزِفها هنا العازفون المتجَوِّلون تُغَطِّي هذا المشهد بمزيج من موسيقى البلوز والفلامنكو، ولكن الآن صار يتخَلَّلها صوت الأذان خمس مرَّات في اليوم.
نرجع إلى هذه المجموعة المسلمة الأولى التي كانت تُسمّي أفرادها باسم الصوفيس، أو المرابطون، بسبب الممارسات الدينية من قائدهم.
عندما وصل إلى غرناطة، كانت الفكرة الأولية من الشيخ تعمير المنطقة العليا من البايزين من قِبَل حوالي “خمسين عائلة” إسبانية مسلمة، “سوفيس” وأتباع الشيخ عبدالقادر، لنَشْر الإسلام في غرناطة من جديد وتعريف سكانها بديلا اجتماعيا – دينيا لهيمنة الكنيسة في المجتمع المحلي.
وبهذه الطريقة، بدؤوا في الظهور في الحي وإدراج عاداتهم، وكل الخصائص الدينية التي تحتوي على القرآن الكريم.
في الحقيقة هذه العملية ما كانت إلا بداية تحديد هوية جديدة وانتماء إلى مكان قريب في التاريخ، ولكن بعيد في العادات، كما كان حي البيازين في ذلك الوقت.
وهكذا في أوائل التسعينات أنشأت الجماعة عددًا من المشاريع مرتبطة بالدعوة الإسلامية مِثْلَ مدرسة قرآنية للأطفال ومكتبة إسلامية ومجلة شهرية اسمها بالإسبانية (País Islámico) يعني باللغة العربية (البَلَد الإسلامي). وتم كذلك شراء الأرض للجامع الكبير من غرناطة في حي البيازين العليى.
ونمى كل هذه المشاريع من خلال المساعدات الاقتصادية من بعض بلدان عربية، وعلى الخصوص ليبيا مع العقيد القذافي، والمغرب من تمويل الملك الحسن الثاني، وإمارة الشارقة من الإمارات المتحدة العربية.
وهذا التطور الإسلامي في المدينة دفع إلى رفض نجاحه من قِبَل بعض جماعات محلية ذات النفوذ الاجتماعي، مثل الجريدة المحلية إديال (Ideal).
وتمت كذلك انشقاقات كثيرة في الجماعة، بسبب الشخصية الغامضة الصعبة من الشيخ عبد القادر الذي لا يتحمل أي انتقاد لأوامره ويطلب دائمًا الخضوع التام له.
ولكن يبقى له فَضْل في إعطاء زَخْم جديد للإسلام في غرناطة بعد أربعة قرون من وجود عَلَني فيها.
عملية بناء الجامع الكبير في البيازين:
تُعدّ عملية بناء الجامع الكبير، في حدّ ذاتها، مُعْجِزة كبيرة.
ففي إسبانيا كثيرًا ما يقوم ممثِّلو المجالس البلدية برفض مَنْح التراخيص لبناء المساجد، مدفوعين من قِبل معارضة صغيرة ولكنها قوية. ومن خلال ذلك يضطرّ المسلمون إلى إقامة صلاة الجماعة في بيوت خاصة أو حتى في “كراجات”. وهكذا يؤدِّي انسحاب الجالية المسلمة في حياة منعزلة وسرية إلى خلق بيئة يمكن في داخلها انتشار حالة من السخط والغضب. وبهذا لا يتم التوصّل إلى الاندماج المطلوب، بل إلى نقيض الاندماج.
ولا يقتصر هذا الشكل من الرفض وعدم التسامح على التعامل مع المهاجرين القادمين من وراء البحار، بل يعتبر منذ فترة طويلة أيضًا بالنسبة للمسلمين المولودين في إسبانيا جزءًا من حياتهم اليومية.
وكان مشروع بناء المسجد الجامع بغرناطة قد أثار غضب البعض في إسبانيا فقد نقلت صحيفة ديلي تلجراف البريطانية عن صحفي أسباني في غرناطة قوله: إن الجميع هنا يعارض بناء الجامع لكنهم يعلمون أنهم غير قادرين على التعبير عن معارضتهم لاعتبارات سياسية. وقد احتج بعض أهالي المنطقة في البداية بشدة على المشروع، فهم لم يتحملوا فكرة إقامة جامع ضخم وأنيق في قلب غرناطة، فظهرت على حوائط المدينة الشعارات المعادية للعرب والمسلمين، مثل شعار اخرجوا من هنا أيها العرب المسلمون. وعندما قام مؤذن الجامع بتجربة رفع الأذان من قمة المئذنة أصيب الجيران بصدمة حين سمعوا صوت المؤذن الذي لم يعتادوا عليه وغاب عن المنطقة طيلة خمسة قرون، ويعكس ذلك توتر العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في غرناطة.
كما طالبتْ بعض الجماعات الإسلامية في غرناطة بأن تتوقف المدينة عن الاحتفال بِعيد لاتوما الذي تحيى فيه ذكرى سقوط الجيوش العربية في الأندلس، ونقلت صحيفة التايمز عن رجل يقيم في غرناطة منذ سنين طويلة قوله: إن الليبرالية والتسامح ليست من طباعنا والكثيرون منا يرفضون فكرة بناء جامع.
ومع احتدام الجدل على مدى سنوات طويلة إلا أنه لم يعد هناك أي مبرر قانوني لمعارضة بناء الجامع، حيث أن البعض يخشى من أن يعود العرب إلى احتلال إسبانيا، لكن عمليًا وفعليًا فإن هذا مستحيل لأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين ونشر الدعوة الإسلامية أو أي دعوة عمومًا أصبح متاحًا بالعديد من الوسائل، كما أن المسلمين لا يجبرون أحدًا على الدخول في دينهم، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} وربما تستطيع أوروبا عمومًا بعد افتتاح هذا المسجد الجامع وأيضًا مركز كولونيا الإسلامي وغيرهما من المراكز الإسلامية في أوروبا أن تقدّم مثالًا لحُسن الجوار وتسامح الأديان يمكن أن تطبّقه أطراف الصراع الطائفي الدائر في أي مكان في العالم.
وكانت قصة بناء المسجد الجامع بمدينة غرناطة طويلة ومليئة بالمشاكل والعقبات لكن تم تذليل كل ذلك بعون الله وتوفيقه. ويعد هذا أول مسجد يبنيه مسلمو إسبانيا -وليس مهاجرون من خارجها- منذ أن سقط الحكم الإسلامي في الأندلس. ويعد افتتاحه إشارة واضحة إلى أن إسبانيا بدأت مرحلة تصالح مع ماضيها العربي الإسلامي وذلك مع استمرار حركة الهجرة من دول المغرب العربي إليها، وزيادة عدد المسلمين فيها.
وقد اشتُريت قطعة الأرض التي بُني عليها هذا المسجد الجامع في عام 1980م وكانت أرضًا زراعية محصورة بين دير وكنيسة، وعندما أدرك مجلس المدينة أن المسلمين يريدون بناء جامع على تلك الأرض صدر قرار بحظر بناء المباني الدينية عليها وبتخصيصها للمباني السكنية فقط، وعقب صدور هذا القرار بدأت معركة قضائية استمرت مدة تسعة أعوام وانتهت ببناء نموذج بالحجم الطبيعي للمئذنة لتقييم وقعها البصري والجمالي على المنطقة وللاستماع لآراء سكان المنطقة.
وقد أثارت المئذنة شكاوى من قبل المسيحيين الكاثوليك المحافظين في جميع أنحاء إسبانيا وتصاعدت حدة التوتر في غرناطة الأمر الذي أدى إلى تأجيل المشروع مرة أخرى، كما بدأ بعض المتشددين في غرناطة يطالبون بطرد مسلمي المدينة الذين يقدر عددهم بنحو خمسة عشر ألف شخص، لكن المدافعين عن دستور إسبانيا الجديد الذي يكفل حرية الأديان أيّدوا فكرة بناء الجامع، وأمرت سلطات غرناطة بتعديل تصميم الجامع وتصغير حجم المئذنة. وعندما أوشكت أعمال البناء على البدء اكتشفت في الموقع أطلال رومانية فتأجل المشروع مدة عامين آخرين لحين التنقيب عن الآثار الرومانية، وعدل التصميم مرة أخرى للحفاظ على الأطلال الأثرية، وبدأت أعمال البناء عام 1998م، وقد طمأن حينذاك المتحدث بإسم الطائفة الإسلامية في أسبانيا عبد الحق سالابيريا في مقابلة مع ممثل صحيفة الديلي تليجراف قال فيها: إن مدينة غرناطة من الناحية التاريخية هي عاصمة الإسلام في أوروبا وقد أسلم بعض الأسبان بحثًا عن جذورهم وأسلم آخرون مثلي لأسباب إيمانية بحتة وهو يبلغ من العمر 42 عامًا. وهو أصلًا من إقليم الباسك الإسباني وقد أشهر إسلامه في أوائل التسعينات من القرن العشرين الماضي، وقد صرح أيضًا بأنه قد بذلت العديد من الجهود لتهدئة مخاوف السكان المحليين، وتم التوضيح لهم أن بناء الجامع لا يعني مجيء ابن لادن إلى الأندلس وإنما هو تعبير عن أحد أوجه التراث الإسباني، وأنه من المتوقع أن يتردد على الجامع بانتظام نحو 500 شخص على الأقل أغلبهم من الإسبان الذين أشهروا إسلامهم ومن المهاجرين من بلاد المغرب العربي.
وجدير بالذكر أن الكثير من المسلمين في الأندلس إبان الحكم العربي كانوا من الإسبان الذين دخلوا في الإسلام بمحض إرادتهم وبدون إكراه كما شهدت هذه الفترة سلامًا تامًا بين المسلمين واليهود والمسيحيين بعكس ما كان يحدث قبل ذلك من اضطهاد لليهود وما حدث بعد هذه الفترة من اضطهاد لكل من المسلمين واليهود.
تصميم الجامع:
وقد استوحي التصميم المعماري لجامع غرناطة الكبير من تصميم مسجد قرطبة الشهير والمسجد الأقصى حيث يتكون مبنى الجامع من ثلاثة أجزاء هي قاعة الصلاة والمركز الإسلامي والحدائق. وتؤدي البوابة الرئيسية له إلى فناء مفتوح مزين بنافورات مرصعة بالموزاييك الأندلسي الشهير، صنعه عمال تم استقدامهم خصيصًا من مدينة فاس المغربية، ويؤدي هذا الفناء إلى قاعة الصلاة التي أشرف على تنفيذها وتزيينها بعناية فائقة وبشغف كبير فنانون أتوا من مدينة فاس المغربية العريقة أيضًا، مستعملين التقنية ذاتها التي كانت معتمدة في غرناطة الإسلامية زهاء ألف سنة خلت.
وقد تم تزيين هذه القاعة بالعناصر الأصيلة المأخوذة عن تقاليد العالم الإسلامي، فالمحراب الذي يحدد اتجاه القبلة للصلاة زخرف بنفس زخرفة محراب جامع قرطبة الكبير، ويبلغ ارتفاعه أربعة أمتار، وبني من أجود أنواع الرخام متعدد الألوان والمزين بألواح خشب الأرز الأطلسي الفاخر التي حفرت عليها بعض الآيات القرآنية التي تذكر بعض الصفات الإلهية على غرار تلك الألواح الموجودة بالمسجد الأقصى في القدس الشريف، وعلى يمين المحراب ويساره خزانتان لحفظ المصاحف تمت صناعتهما من الخشب المرصع، أما نوافذ المسجد الكبيرة والمواجهة للقبلة فهي نسخة طبق الأصل من مثيلاتها في مسجد السلطان أحمد بإسطنبول والمعروف باسْم المسجد الأزرق.
وقد بنيت مئذنة المسجد على الطراز الأندلسي على شكل برج مربع أبعاده متناغمة وبارتفاع 15 مترًا فقط طبقًا لاشتراطات بلدية غرناطة، وعلى الرغم من ذلك ارتفع صوت الأذان الخالد نداء الحق “الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح”. وقد صمم هيكل برج المئذنة بشكل منسجم وبحيث تنسجم هندسته وينسجم طرازه مع المشهد العام الذي يميز حي البيازين التاريخي، ونقرأ في أعلاها عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” كتبت بالخط الكوفي على صفائح الزليج التي تم كسوتها بها والتي تعكس أشعة الشمس ويمكن قراءتها من مسافة بعيدة وبكل وجه من أوجهها. من أعلى توجد نافذتان طوليتان معقودتان بعقود مستديرة تشبه أبواب مسجد باب المردوم بمدينة طليطلة الإسبانية، وخلفها توجد شرفة المؤذن التي يتم الصعود إليها بدرج حجري ويعلوها سقف هرمي مائل بارز عن جسم المئذنة ومغطًى بالقراميد الأحمر ويعلوه هلال نحاسي. ويتم أداء الصلوات الخمس يوميًا بمسجد غرناطة الجامع جماعةً في أوقاتها كما تقام فيه صلاة الجمعة والعيدين وصلاة التراويح في شهر رمضان المعظم، كما يتبنى المسجد برنامجًا يوميًا لدراسة القرآن الكريم وتلاوته جماعةً، كما يتم إلقاء دروس في الفقه والسيرة للكبار والصغار به.
المركز الإسلامي:
أما المركز الإسلامي فهو عبارة عن مبنى من ثلاثة طوابق وقد خصص الطابق العلوي لإقامة خادم الجامع والمؤذن، ويضم الطابق الأول قاعة للمؤتمرات تسع 140 شخصًا، ومكاتب إدارية وقاعة اجتماعات، وفي الطابق الأرضي توجد قاعة رئيسية مخصصة للأنشطة الاجتماعية والتعليمية، وقاعة جلوس متعددة الاستخدامات، ومطبخ، ومكتبة تزخر رفوفها بالكتب الإسلامية متعددة المواضيع كالفقه والحديث والتفسير إلى جانب كتب السيرة والتاريخ والمعاجم والفن واللغات وغيرها، كما تضم المكتبة التي تتسع لأكثر من عشرة آلاف كتاب كتبًا باللغة الإسبانية والعربية والإنجليزية والفرنسية والتركية والأوردية فضلًا عن وسائل سمعية بصرية من أقراص ممغنطة متعددة في تجويد القرآن الكريم.
ويقوم هذا المركز بتقديم العديد من الخدمات، مثل: تنظيم زيارات لتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات وأعضاء الجمعيات الأهلية، وإصدار النشرات الإعلامية، وتنظيم المؤتمرات والمعارض، ودروس تعليم القرآن واللغة العربية، إلى جانب تنظيم محاضرات تعالج قضايا ومواضيع فكرية مختلفة منها دروس في تعليم اللغة العربية والعروض ودورات تكوينية متعلقة بالإسلام والتراث الإسلامي بإسبانيا، وهي متاحة للجميع مسلمين وغير مسلمين للمشاركة والاستفادة منها.
كما يقدم المركز المساعدات الضرورية للمحتاجين من عابري السبيل ولعموم المسلمين عبر قناة مفتوحة وبمساعدة مجموعة من المتطوعين الذين يتعاونون مع منظمات ومؤسسات غير حكومية.
وأخيرًا نأتي إلى القسم الثالث من الجامع وهو حدائق المسجد والتي توجد بها بعض النباتات والأشجار الجميلة مثل شجر الصنوبر وشجر الزيتون وشجر الرمان وشجر البرتقال وشجر الليمون، والتي تم زراعتها بتناسق بديع، وتنتشر روائحها الزكية في جو المكان.
الهوامش:
اقرأ أيضًَا:
تعليق واحد