قراءة في ديوان محمد عبد الباري (لم يعد أزرقًا)
قراءة في ديوان محمد عبد الباري (لم يعد أزرقًا)
د. عدي جاسر الحربش
هذا الديوان الذي صدر مؤخرًا بمثابة حجر كريم أزرق، صنعه محمد عبد الباري بانتباه، وتعهّده بحرص، كي يهبَنا الغناء في أوقاتنا الصعبة. وحذارِ أن يخدعك عنوانه عن حقيقته، إنّه أكثر دواوين عبد الباري زرقةً.
وما دمنا في سيرة الزرقة سأذكر كتابًا ساحرًا لـ”ويليام جاس” عنوانه: “أن تكون أزرق المزاج” لا أنفكُّ أوصي أصدقائي بقراءته. يقارب مؤلفه معنىٰ الزرقة أدبيًا وفلسفيًا، ويخلُص إلىٰ ربطها بالكآبة وبالرغبة، ذلك لأنّ الأزرق حين نتقحّمه يختفي، وهكذا الرغبة ما أن ننال ما نشتهيه حتىٰ تنطفئ.
يتساءل “جاس” في كتابه: ماذا يغشّي حياتنا بالساتان؟ ما الذي يغوص بنا إلىٰ كآبة أعمق؟ الوحدة؟ الخواء؟ عدم القيمة؟ الحزن؟ كل واحد من هؤلاء عوز. ليس لدينا ألم، لكنّا فقدنا اللذة، والشفة التي تطبق علىٰ شفتنا هي دائمًا نصف ثغرنا. إذن الأمر حقيقة: أن تكون دون أن تكون زرقة محضة.
لكنّ محمد عبد الباري ابن ثقافته العربية، والأزرق الذي يقاربه يختلف عن أزرق “ويليام جاس”؛ إنّه لون السماء والبحر، لون العمق والعلو والسعة، وحين يخسر الشاعر نفسه ثمّ حبيبته ثمّ جماعته -كما يطلعنا في فهرس خساراته- هو بالضرورة يخسر زرقته. هكذا يريدنا أن نظن، لكني أقول بخلاف ذلك.
البحر لا يغدو أزرق إلا إذا خرجنا منه، والسماء لا تزداد زرقة إلا إذا ابتعدنا عنها، وهذا يحيل إلىٰ زرقة “جاس”، لكنه يحيل أيضًا إلىٰ ثيمة أخرىٰ في ديوان عبد الباري حيث كُتب الديوان بالكامل في نيويورك، بعيدًا عن سلمىٰ والأصدقاء والوطن، معنًىٰ أراد الشاعر أن نلتفت إليه حين أشار إليه أول ديوانه.
لم يكتب عبد الباري هذا الديوان إلا بعد حَبسةٍ استمرت سنتين، معنًىٰ آخر أراد أن نتوقف عنده. لكي يستردَّ الشاعر صوتَه كان عليه أن يبتعد عن قومه وعن أصدقائه وعن سلمىٰ، أن يهرب من حالة شبيهة بوصف “جاس”: أن تكون دون أن تكون زرقة محضة. كان عليه أن يخسر كل هؤلاء كي يجد نفسه.
هناك كثير من المُراجعات في ديوانه، بل إنّ بعضها يكاد يكون انتفاضة ضد أفكارٍ قديمة؛ بدل المِثالي أطلَّ الواقعي، وبدل العُمومي أطلَّ الفردي، وبدل تصوُّر ساذج للحرية أطلَّ تصوُّر أكثر تحرُّزًا وتشاؤمًا يرىٰ العبودية مستشرية في كلِّ أنماط الحياة اليومية [قارن (ما لم تقله زرقاء اليمامة) بـ(فيلة سلفادور دالي)].
رغم ذلك هناك نمط من التتابع والالتفات في مشروع عبد الباري؛ تنجم فكرة أو يبرعم تشبيه فيستخدمه في بيت مفرد، ثم لا يلبث حتىٰ يعود في ديوان لاحق فيحوِّله بستانًا كاملًا. فمَثلًا حين كتب في ديوانه الثاني:
فلا تكثرْ عليّ من الوصايا * وإن ضيّعت أندلسين لهوا
لم يلبث حتّىٰ عاد إلىٰ الفكرة فسخّر لها قصيدةً كاملة في ديوانه الثالث عنوانها “أندلسان”.
ومثلًا حين قال في قصيدته “الخروج من نصف الوردة”:
أحبكِ في أزرقٍ لا أسمّيه لونًا * ولكنْ أسمّيه موتي
لم يلبث حتّىٰ عاد إلىٰ معنىٰ الزرقة في ديوانه الجديد “لم يعد أزرقًا” ليحملها إلىٰ أقصىٰ ما تحتمله من مَعانٍ.
يحوي الديوان (١٦) قصيدة: (١١) منها عامودية، و(٧) تفعيلة، ومن اللافت أنّ قصائد التفعيلة أصبحت بجودة العامودية نفسها وبتركيزها نفسه، شيءٌ كنَّا نأخذه عليه سابقًا ولم نعد نستطيع تكراره بعد أن تفتَّقت عبقريَّته عن قصائد من نمط: “تاريخ عاديّ لامرأة غير عاديّة” و”فيلة سلفادور دالي”.
أولَىٰ الشاعر عنايةً خاصة تجاه المعمار والهيكل الكلي لديوانه، تجد ذلك في الطريقة المبتكرة التي فهرَسَ بها قصائدَه، وفي اقتباساته الذكية من “لسان العرب” وكيف حشاها بالمعنىٰ وسخّرها كي تكون مفاتيح للقصائد، ولتؤكِّد هُويَّته كغريبٍ ترك كل شيء وراءه ولم يَصحب معه سوىٰ هذا الكتاب / اللسان العربي.
سأختار أربع قصائد لأعرّج عليها سريعًا:
- واحدة من القسم الأول “أزرق يخسر عُمقه”.
- واثنتين من القسم الثاني “أزرق يخسر علوّه”.
- وواحدة من القسم الثالث “أزرق يخسر سَعته”.
وأظنك استنتجت أيّ أقسام الديوان أَحبُّ إلىٰ قلبي، فلَطالما كنتُ ضعيفًا أمام قصائد الغزل والفراق.
لا أحد يكتب مَطالع كعبد الباري، وكما يُعنىٰ بصياغة مَطالع قصائده يُعنىٰ أيضًا بانتخال القصيدة الأكثر تعبيرًا عن فلسفته فيفتتح بها ديوانه. هذه العينية أول ما يقابلك في الديوان، ولَطالما كان رَوي العين صوتًا للتحطُّم وللتصدُّع بالعربية، منذ مرثيّة أبي ذؤيب الهذلي وحتّىٰ هذه القصيدة:
ها هنا غضبٌ وإرادةُ تغيير، لكنّها إرادة تغيير من نوع آخر؛ لا تُطالب المجتمع بالتغيّر وإنّما تبدأ بنفسها، لا تسأل الجدران الحركة وإنما تخلق لها متنفسًا حين تفارقها. ها هنا غضبة، لكنّ اللفظة لا تحيل فقط إلىٰ تلك العاطفة الملتهبة، وإنّما إلىٰ الصخرة المركّبة المخالفة للجبل.
تأمّل كيف اختار الشاعر كتابةَ البيت الأول في ثلاثة سطور، ثم الثاني في سطرين، ثم الثالث في سطر، وكأنّ الغضب آخذٌ بالتزايد حتّىٰ لم يترك متسعًا لاسترداد الأنفاس. ثمّ تأمّل كيف تبدّل مزاج القصيدة فجأة حين حكىٰ عن سبب غضبه فإذا بذلك التصدّع والتشقق يتحوّلان نغمًا في غاية الشجىٰ والحزن.
يقول عبد الباري:
يا عاتبًا جدًا علىٰ الطرقاتِ إذ * أخذتكَ منك مودِّعًا ومودَّعا
هو أنت من أسرىٰ لشيء لم يكن * أبدًا وأنسابَ الفراغ تتبعا
متداخلًا فيك الهدوءُ المنتمي * لأسىٰ الحقيقةِ بالهدوءِ المُدّعىٰ
شاهدتَ عمركَ وهو يُرفعُ رايةً * بيضاءَ كم نزفت لكيلا تُرفعا
سُرقت خصوصياتُ وجهك كلّها * وتُرِكتَ ما بين الوجوهِ مُوزَّعا
ومُنحتَ حين مُنحتَ قفلًا لا فمًا * متكلمًا وسلاسلًا لا أضلعا
أُبعِدتَ عن سربِ الحمام مُطَمأنًا * وأُضِفتَ في سرب الحمامِ مُروَّعا
مهما أطنبت في تقريظ الأبيات لن أوفيها حقها.. هنا شاعر بلغ الذروة في التحّكم بأدواته.
تأمّل النغم الناتج عن المراوحة بين اسم الفاعل والمفعول بتغيير حركة، ثم تأمّل صراحته الجارحة وكيف وصف تداخل الحزن الناتج عن إدراك الحقائق بالحزن المتكلّف فوق صفحة وجهه، ثم ردِّد:
أُبعِدت عن سرب الحمام مُطَمأنًا * وأُضِفتَ في سرب الحمامِ مُروَّعا
بسيط حد التعقيد، ورائع حد الإعجاز.
ثمّ لا يلبث الغضب أن يتصاعد ثانية، لكنّه غضب حكيم هذه المرة، غضب تعلّم من أخطائه، ينصرف عنفه إلىٰ ذاته، ويؤمن أنّ أولىٰ خطوات التغيير تبدأ باشتغال الفرد علىٰ نفسه:
يا صاحب الساعات صوت فنائها * يدعوك فلتذهب إليها مسرعا
قبل انتهاء الماء أعلنه انقلا * بَ الماء كي يلد المصبّ المنبعا
قشِّر تجاعيد النهار ليزدهي * وجهًا وحُكَّ الليلَ حتىٰ يلمعا
وأضِف إليك من الزوايا حِدّةً * حتىٰ يصيرَ الدائريُّ مربعا
فبغير هذا الأحمرِ الثوريّ في * عينيك لن تجد القصيدةُ مطلعا
وهكذا تولد القصيدة أخيرًا، وتنقطع الحبسة الشعريّة.
إن كان لزامًا علىٰ الشاعر أن يخسر نفسه كي يجد ذاته الجديدة، فلا بدّ أن يخسر محبوبته أيضًا كي يحوّلها من المباشر إلىٰ المثالي، ومن الفاني إلىٰ الأبدي، حقيقة أخرىٰ تعلّمناها من “كيركجارد” حين فسخ خطوبته من “ريجينا أولسن” ثم حبّر ثلاثين كتابًا فلسفيًا لا تخلو ورقة فيها من طيف ريجينا.
تأمّل هذا المطلع الفاتن وحقِّق ما قلتُه عن براعة الاستهلال:
ولي من لا نهائيات موتي * ثلاثتها عيونكِ والرحيلُ
هنا تقف الرياضيات عاجزة: وعدَ بثلاثة أشياء ثم لم يعدِّد سوىٰ شيئين! لكنّ أحد الشيئين عينان! لكنّه ذكرهما بصيغة الجمع! حقًا، ما أوسع اللغة، وما أضيق الحساب!
أنا مولع بالمطلع السابق جدًا. لَكأَنّ عبد الباري حشَد في تثنية العينين ما يحشد النصارىٰ من أسرار حين يثلِّثون أقانيمهم.
ثم يضيف:
أحبكِ لكن البدويّ مني * يميل مع السحابة إذ تميلُ
لقد حاولت أن أنشقّ عني * ليسكن فيك تطوافي الطويلُ
ولكني أنا سفري تمامًا * كما أنّ الحصان هو الصهيلُ
تأمّل البيت الأخير، فهو رغم بساطته عميق جدًا، والشاعر لا يستطيع أن يؤدّي المعاني العميقة في صياغات بسيطة إلا إذا كان في قمّة تمكنه من أدواته كما أسلفت.
ثم تأمّل الأبيات التالية، وكيف أخذت ترقّ وترقّ حتىٰ تحوّلت نغمًا صافيًا:
سأذهبُ لا استراحت من ضلوعي * مداخنُها ولا بردَ الغليلُ
ولا حرّرتُ صوتكِ من حَمامٍ * نأىٰ عني ليتسعَ الهديلُ
ولا استقصيتُ وجهكِ وهو يجري * به سربُ الفراشاتِ الجميلُ
ولا وحّدتُ في معناكِ ذاتي * فنصفي قاتلٌ نصفي قتيلُ
وحتّىٰ لم يقلكِ فمي تمامًا * فأنتِ كثيرةٌ وفمي قليلُ
رباه، أيُّ معنًىٰ هذا؟! هكذا يجدر أن تُختم القصائد.
عنوان القصيدة الثالثة “الشبابيك في سهرها الأخير” وهو عنوان ذكي مفعم بالدلالة، فكما يدَّخر الشاعر الجاهليّ ما تبقّىٰ من عشقه وذكرياته في أطلالٍ وأثافٍ، كذلك يدّخر شاعرنا ذكريات الليلة الأخيرة في شبابيك يتذكّرها من تلك اللّيلة، شبابيك جدران وشبابيك وجوه، فكلها تسهر وتغلق درفاتها.
هذه أكثر قصائد عبد الباري خصوصيّة، يبوح فيها باسم محبوبته، ويصف ليلتهما الأخيرة قبل الفراق، وأظنني لا أذهب بعيدًا إن قلتُ إنها من أعذب ما كُتب بالعربية عن الوداع.
يقول عبد الباري:
تعالي قاسميني ما تبقّىٰ * كما يتقاسم الأمواجَ غرقىٰ
بأشجىٰ ما به يبكي نحاسٌ * ويُبكي آخر الأجراسِ دقّا
لن أعيد ما قلته عن براعة الاستهلال كي لا أقع في الإطالة والإملال، لكن أيّ معنًىٰ هذا؟ كما يتقاسم الأمواجَ غرقىٰ! قيل إنّ الفرزدق سجدَ حين سمعَ بيتَ لبيد:
وجلا السيولُ عن الطلول كأنّها * زبرٌ تجِدّ متونها أقلامها
وإخاله كان سيفعل لو أدرك عصرنا وسمع هذين البيتين.
ثمّ تأمّل شجن هذه الأبيات وحاول ألّا تشرَقَ بحزنك:
فيا من كنتِ مما كنتُ أعلىٰ * ويا من كنتِ مما كنتُ أنقىٰ
ظننتكِ فكرتي وشككتُ أنّي * سهرتُ عليكِ تكوينًا وخَلقا
خروجي منكِ سوف يكون جُرحًا * يريدكِ ما أرادَ الجُرحُ عُمقا
غدًا سأكون كالتابوتِ قلبًا * وكالبالي من الراياتِ خفقا
كما قبل البكاء أسًىٰ وتيهًا * كما بعد القصيدة حين تُلقىٰ
أبياتٌ تكاد تذوب ذوبًا، وأجراسٌ تملأ الحناجر غَصصًا. إن كان ليس بوسع الطرق الموازية أن تتوحد، فليس أمامه إلا أن يحبها في حياة موازية، أن يحوّلها من المباشر إلىٰ المثالي:
ستأخذكِ الرياح الآن مني * ويا كم يأخذ الأقسىٰ الأرقّا
ولكني وعدتُ بأن أوالي * زيارةَ قصركِ الليليَّ برقا
له أن يُغلِقَ الأبوابَ دوني * ولي أن أوجعَ الأبوابَ طرقا
يا لها من أشطر! ويا كم يأخذ الأقسىٰ الأرقّا! ولي أن أوجع الأبيات طَرقَا! أظنني سألبث زمنًا أتمثّل بهذه الأبيات. ماذا بوسعي أن أقول يا عبد الباري؟ شعرك كثيرٌ وفمي قليل.
القصيدة الرابعة تفعيلة، عنوانها “فيلة سلفادور دالي” وتنتمي إلىٰ القسم الثالث من الديوان: (أزرق يخسر سعته)، وهي قصيدة حصيفة عن الحياة، فيها من النضج الفلسفي والتمكُّن الأسلوبي ما يجعلك تجزم أنك أمام شاعر اشتغل علىٰ نفسه كثيرًا، وهو بتفوّقه علىٰ نفسه يتفوّق علىٰ أقرانه.
تستلهم القصيدة عنوانها من لوحة لدالي تصوّر فيلةً ذات سيقان عنكبوتية وطويلة. ترزح تلك الفيلة تحت ثقل مسلّاتٍ تكاد تسحق ما تحتها، هكذا يُخيّل لك إلىٰ أن تدقق النظر فإذا بالمسلّات تطفو في الهواء، وإذا بالفيلة رغم كل ذلك تسير. والآن أغمض عينيك وتخيّل نفسك أحد هذه الفيلة، عندها ستفهم.
هناك مسحةٌ من الكلبية التشاؤميّة تكاد تجلل كل شيء في القصيدة: الكلام يقصر عن إيصال المعنىٰ لذا فهو خؤون.. الحب محكوم بالألم عند الحرمان وبالخيبة عند النوال.. الحقيقة مفهوم إجرائي يحوي الشيء ونقيضه ويبقينا نتردد أبدًا خلف عتبة الشكّ.. الحرية وهمٌ لأنّ حبنا للآخرين يكبّلنا إليهم ومهما نزعنا الأصفادَ تبقىٰ أصفادٌ أخرىٰ.. قل مثل ذلك في الصداقة والاجتماع الإنساني.. في السعي نحو المكانة.. في التماسك والثبات.. لكنّ الشاعر لا يترجم نزعته الكلبية بالعزوف عن كل ما سبق، وإنما بإرادةٍ محمومة كبيرة:
نريدكِ يا كل حصتنا في السكوت..
نريدكِ يا كل رغبتنا في الهروبِ..
نريدكِ يا كل فكرتنا..
نريدكِ يا كل عزلتنا..
نريدكِ يا كل ردّتنا..
نريدكِ يا كل نزعتنا..
نريدكِ يا كل شهوتنا..
ورغم أنّ إرادة نقيض الشيء عزوف عن الشيء، إلّا أنّ التعبير بالإرادة يختلف عن التعبير بالعزوف، والقلب الذي يريد لا يزال نابضًا أبدًا بالحياة.
إذن علىٰ الرغم من المسلّات الثقيلة تسير الفيلة، وعلىٰ الرغم من كل القناعات السابقة سوف نعيش، ولو دقّقنا النظر لعلمنا أنّ الخيبات التي تُثقل كاهلنا ما هي إلا كالمسلّات أثقال وهمية، ولقد أحسن الشاعر حين ختم بهذه النغمة الحارّة:
ففي آخرِ الأمرِ
في المنتهىٰ
يا لها من مغامرةٍ أن نكونْ
الشاعر ليس عازفًا عن الحياة وإنمّا يريد أن يعيشها غير متعامٍ عن حقائقها. هو لم يهجر قومه، وإنّما يعلم أنّه لن يدرك زرقتهم إلّا من مسافة. هو لم يتخلَّ عن حبيبته وإنّما يريد أن يحبّها أبد الدهر. هو لم ينزع عمقه وإنما يريد أن يغوص إلىٰ أغوار ذاته الأعمق.
كل هذا يُعيدُنا إلىٰ سؤالِ الزرقة الذي شرعتُ به أول الكلام: ماذا يغدو الأزرق حين يخسر زرقته؟ لُججًا خُضرًا. ماذا يغدو البحر حين يتخلّىٰ عن عمقه، وعن علوّه، وعن سعته؟ أوقيانوس!
اقرأ أيضًا:
مراجعة رواية “الغريب” لألبير گامو
مراجعة كتاب “الفن وتطور الثقافة الإنسانية”
تجربتي في ترجمة الأدب الحديث
2 تعليقات