نبذة مختصرة عن سيرة شيخ مشايخ قراء العراق: عبد اللطيف الصوفي
نبذة مختصرة عن سيرة شيخ مشايخ قراء العراق:
عبد اللطيف الصوفي
بقلم: مزاحم إدريس الحمداني
هذه نبذة مختصرة عن سيرة العلامة المربي شيخ مشايخ قراء العراق والرئيس السابق لجمعية القراء والمجودين العراقيين، بركة هذا الزمان، سراج القراء، سماحة الشيخ: عبد اللطيف بن خليل خضر الصوفي (رعاه الله).
هو من مواليد (1932م)، ومحل ولادته بالدار التي هي مِلك أبيه رحمة الله تعالى عليه، في الساحل الأيمن من مدينة الموصل التي يقسمها نهر دجلة الخير إلى الأيمن الذي فيه ولادته، وإلى الساحل الأيسر الذي يقضي فيه أكثر أيامه في بقية حياته. إذن هو من محافظة نينوى، مدينة الموصل في محلة (عبد خوب) أي: محلة العبد الصالح.
اعتنى والده بتربيته وتعليمه، وأَخذهُ إلى الكُتّاب في صِغر سنه (أي: الملا، وهو رجل علم في الشريعة)، وبقي يدرس في الكتاتيب حتى بلغ السادسة من العمر في هذه المدينة الجميلة، فتعلم فيها، وبآداب أهلها تأدب.
فتربى في حِجر والديه الصالحين القانتين، فكان لهما الفضل في الاعتناء التام بتربيته وتهذيبه وإصلاح شؤونه، فكانت أفعالهما وأخلاقهما كلها دروسًا عملية في الاستقامة والطاعة لله التي تنتفع بها العائلة كلها، ولهذا لُقِّبَت عائلتُه الكريمة بـ (بيت الصوفي).
وبعدما بلغ السادسة من عمره دخل مدرسة أبي تمام الابتدائية تلميذًا في الصف الأول الابتدائي، ولكنه مرض، وبعد مراجعته للطبابة المدرسية، وتلقي بعض العلاجات لم يتعافَ، وبقي مريضًا فترة ليست بالقصيرة، وعلى إثره اعتُبرت له سنة ترك للدراسة.
وفي السابعة من عمره ذهب إلى مدرسة الأحداث الابتدائية وسجل فيها اسمه، إلا أنه مرض ثانية، وبنفس أعراض المرض السابق، واضطر إلى ترك الدراسة مرةً أخرى لأسباب صحية.
أما في الثامنة من عمره فقد سجل في مدرسة القحطانية الابتدائية للبنين، وبفضل الله تعالى واصل دراسته فيها إلى أن حصل على شهادة الدراسة الابتدائية للعام الدراسي (1947م- 1948م).
ثم التحق بالدراسة في متوسطة الحدباء للبنين، وبعد دوامه لفترة قصيرة، ورَدَ كتاب من مديرية أوقاف نينوى، يحث مَن له الرغبة في العلوم الشرعية أن يلتحق بالمتوسطة الفيصلية الدينية؛ فأخذ موافقة والده آنذاك، وسحب أوراق قبوله من متوسطة الحدباء للبنين، وقدمها إلى المتوسطة الفيصلية الدينية التابعة لمديرية الأوقاف العامة، للسنة الدراسية (1948م- 1949م)، وكان المدير والهيئة التدريسية شيوخًا من كبار علماء الموصل حينها -رحمهم الله تعالى-.
وأثناء دراسته تعرّف إلى العلامة المرحوم محمد صالح ابن الشيخ إسماعيل الجوادي -رحمهما الله- رئيس مشيخة العراق في علم القراءات للقرآن الكريم في الخمسينات من القرن الماضي، فالْتحق الشيخ عبد اللطيف خليل خضر الصوفي بإحدى حلقاته التدريسية في علم التجويد (رواية حفص) بجامع النبي جرجيس u بعد صلاة العصر من كل يوم، وقرأ عليه حتى ختم قراءة القرآن الكريم بكامله.
ودرس عنده أيضًا القراءات السبع، وهو في الصف الثالث المتوسط في المدرسة الفيصلية الدينية، وبعد أن انتهت قراءته بختمة كاملة مع التكبير، وكانت المدة الزمينة بين الخمسة أشهر والستة، منحه الشيخ محمد صالح ابن الشيخ إسماعيل الجوادي -رحمهما الله- إجازة بالقراءات السبع، وقد بلغ من العمر ثمانية عشر عامًا.
وفي هذه الفترة الجميلة من عمره، مرحلة الصبا والشباب شغف بحب العلم والتعلم، فكان يذهب إلى الشيوخ والعلماء، منهم: الشيخ المرحوم محمد العربي، الذي تعلم على يده الفقه الحنفي، والشيخ نعمان الدبي، قرأ عليه كتاب الرحبية في المواريث.
وبعد هذه المرحلة الْتحق بكلية الشريعة في بغداد، وابتدأت السنة الدراسية الأولى في كلية الشريعة سنة (1950م- 1951م)، وكان من جملة الهيئة التدريسية الشيخ الجليل المرحوم عبد القادر الخطيب، إمام وخطيب جامع الإمام الأعظم، ومدرس علم التجويد الذي كان يُدرس في الغرفة المخصصة له في الجامع بعد صلاة العصر من كل يوم، وكان يُدرسُ علم التجويد في الكلية أيضًا، فكان له الحظ العظيم في التعرف عليه، فبقي بعد صلاة العصر يذهب إلى غرفته، فيقرأ عليه رواية حفص عن عاصم.
وكان كثيرًا ما يرفع الأذان في جامع أبي حنيفة ببغداد، ويقرأ القرآن الكريم مع قارئ الإذاعة في ذلك الوقت السيد محمود عبد الوهاب والحافظ المُلا مهدي وهما قارئا المحفل في الجامع ليوم الجمعة.
وفي السنة الدراسية الثانية والأيام الأولى منها، أرسل إليه عميد كلية الشريعة الأستاذ ناجي معروف الأعظمي، فلما ذهب إليه في غرفته، قال له جاء إلى الكلية رجل الأعمال السيد الجليل عبد الحميد الدهان، وقد سمعك وأنت تؤذن في جامع أبي حنيفة، وطلب أن تكون مؤذنًا في الجامع الذي بناه، فهل توافق على طلبه، فأجاب: وافقت. ثم ذهب إلى جامع الدهان كمؤذن وقارئ محفل ليوم الجمعة.
وفيما بعد أصبح الشيخ عبد اللطيف خليل خضر الصوفي الإمام والمؤذن وقارئ المحفل في الجامع نفسه وللفترة من (1952م- 1957م) حتى حصوله على شهادة البكالوريوس من كلية الشريعة.
بعدها التحق بكلية الاحتياط العسكرية في 3/11/1957م وتخرج منها برتبة ملازم احتياط، واستمر في الخدمة سنتين تقريبًا. وبتاريخ 11/3/1959م تسرح من الخدمة العسكرية وقطع علاقته مع الجيش لأنه فضّل التعليم، ثم ذهب إلى وزارة المعارف وقدم طلبًا للالتحاق بالتعليم مع جميع المستمسكات المطلوبة، والشهادات والمؤهلات العلمية التي تؤهله أن يكون مدرسًا؛ وفعلًا عُين مدرسًا في متوسطة تلكيف للبنين في 16/3/1959م وبراتب اسمي (27) دينارا عراقيا، فأخذ الأمر الإداري وشد رحال السفر إلى المدرسة التي سيكون فيها مربيًا.
وحدثت في هذه الفترة حوادث كثيرة ولكن أهمها وأشدها ألمًا وحزنًا هو مقتل الملك الشاب فيصل الثاني ملك العراق، وأهل بيته.
وفي خضم الأحداث الجسيمة، كان دوامه في هذه المدرسة إلى يوم 1/9/1962م، ثم نقل مدرسًا إلى متوسطة الحكمة للبنين والتي فتحت جديدًا في الموصل، وبعد فترة قصيرة صدر أمر إداري لتعيينه معاونًا في المدرسة نفسها.
وبتاريخ 6/10/1963م نُقل مدرسًا إلى متوسطة أم الربيعين حتى يوم 6/10/1966م، ثم صدر أمر بتعيينه معاونًا لمدير متوسطة أم الربيعين للبنين.
وفي عام 1967م ذهب الشيخ إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج وبعد رجوعه من مناسك الحج كُلف من قبل الشيخ الجليل محمد صالح الجوادي بإلقاء خطبة الجمعة في جامع النبي يونس، وبقي خطيبًا فيه لمدة سنتين ونصف، وبتاريخ 14/9/1971م، نقل إلى متوسطة المنصور وبصفة معاون مدير.
وبعدها بسنتين نقل إلى المعهد الإسلامي التابع لوزارة التربية، واستمر تدريسه فيها إلى حين نقله إلى متوسطة الكفاح في 22/3/1981م، ثم بعد ذلك نقل إلى متوسطة عثمان بن عفان t التي تقع في الموصل – حي المثنى، وذلك بتاريخ 24/10/1983م، ودرّس سنةً واحدة فيها، بعدها قدّم طلبًا للإحالة على التقاعد، فحصلت الموافقة على طلبه وأحيل على التقاعد.
وفي عام 1988م جلس لتعليم القراءات في جامع المحروق لقربه من داره. وكان شغوفًا بقراءة ومطالعة كتب القراءات في علم التجويد وغيرها.
وفي الحقيقة لا بد لي بأن أذكر أن الشيخ عبد اللطيف خليل خضر الصوفي، قبل أن يجلس لتعليم القراءات نمت عنده ملكة التصنيف والترتيب، فقد انتهى من أول كتاب مؤلف له في علم القراءات آنذاك؛ فقدّم طلبًا إلى وزارة الإعلام – دائرة الرقابة العامة، فحصلت الموافقة على طبعه برقم الإجازة (792) في 25/7/1978م.
وهكذا جلس لتعليم القراءات في القرآن الكريم، رغم قلة المصادر والكتب حينذاك وخصوصًا في علم القراءات، فكان كتابه الذي طُبع ونشر هو المصدر الوحيد للشيخ عبد اللطيف خليل خضر الصوفي في التدريس، وكتابه يتكون من أربع مجلدات في علم القراءات.
فتفرغ لتعليم القراءات للقرآن الكريم أكثر ساعات اليوم، فأجاز الكثير من الشباب في جامع المحروق، وآخرين في جامع الرحمن، ثم في جامع ذياب العراقي، وجامع القادسية، وآخرين في جامع النعيمي؛ فكان ينتقل في جميع الجوامع في الموصل، وخاصةً القريبة من سكنه، وكذلك جلس لتعليم القراءات في بعض محافظات العراق وخارج الوطن أيضًا.
وأثناء تقاعده عن العمل الوظيفي طلب منه الشيخ المرحوم الشهيد فيضي محمد أمين الفيضي أن يكون محاضرًا في ثانوية الحدباء الإسلامية، وكان الشهيد المرحوم مديرًا لها، فلبى الدعوة وعاد إلى التدريس كمحاضر لعدة مواد تعليمية بما فيها دروس التجويد وعلم القراءات.
وفي الوقت نفسه كان مواضبًا على تعليم القراءات بعد صلاة العصر في جامع علي بن أبي طالب t في الموصل، ومنح فيه عدة إجازات في القراءات السبع لبعض الشباب من محافظة نينوى والأنبار وديالى والمسيب، وكان طلاب العلم يبيتون في الجامع، وكذلك أجاز شابًا من سوريا وآخر من اليمن.
وفي عام 1992 قدم طلبًا للمجلس العلمي، وكانت النتيجة النجاح بامتياز، فأصبح إمامًا وخطيبًا، وبقي في جامع علي بن أبي طالب يُعلّم القراءات لطلاب العلم، وينتظر صدور أمر تكليفه.
ثم أجيز الشيخ عبد اللطيف خليل خضر الصوفي بالقراءات الثلاثة المتممة للعشرة من طريق الدرة وذلك في 12/8/1999م من قِبَلْ الشيخ شيرزاد بن عبد الرحمن بن طاهر، وفي هذه الفترة وما سبقها كان مستمرًا في تصنيف وترتيب الكتب؛ فله مؤلفات كثيرة، منها:
- البداية والمدخل في علم القراءات.
- التوضيح الرباني لحرز الأماني.
- وقف حمزة وهشام على الهمزة.
- موسوعة العبارات في القراءات السبع بإفراد كل شيخ بختمة كاملة بقراءته.
- فوائد وإيضاحات في القراءات.
- حجة المستفيد في علم التجويد بقراءة حفص، وما اشترك به القراء معه.
- الجامع الأكبر للقراء الأربعة عشر.
- رسالة بكلمات الفرش وبيان كيفية قراءتها.
- رسالة بما يتعلق بالإمالة وذكر جميع الكلمات الممالة في القرآن الكريم.
- رسالة بجميع ما ذكر في القرآن العظيم من الهمزتين في كلمة وكلمتين وبيان كيفية قراءتها.
- رسالة بجميع ما ذكر في القرآن المجيد من الإدغام الكبير بأنواعه للسوسي.
- رسالة بالتكبير وما يتعلق به عند ختم القرآن الكريم.
- مصحف مسبع بالقراءات السبع من طريق الشاطبية.
- مصحف بالقراءات الثلاثة فقط المتممة للعشرة من طريق الدرة.
- مصحف القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة.
- مصحف برواية شعبة عن عاصم.
- ختمة كاملة برواية ورش عن نافع فقط.
- الأنوار البهية في ترتيب وتعليق على البقرية.
- مصحف برواية ورش عن نافع.
- عشرة مصاحف لكل شيخ وراوييه مصحف خاص بقراءته.
- حكم الهمزة في القراءات المتواترة.
- العشر الكبرى من طريق طيبة النشر في القراءات العشر.
- العشر الكبرى من طريق طيبة النشر في القراءات العشر مع الأربعة الشواذ.
- الزهر المنتشر في ترتيب تحريرات طيبة النشر.
- زيادات طيبة النشر المعتبرة على الشاطبية والدرة.
- أوضح العبارات في شواذ القراءات.
وله أيضًا مجموعة من المطويات.
وفي صيف عام 1997م نهاية السنة الدراسية، أتاه وفد من جمعية شبان المسلمين في بغداد منهم الشيخ محمد صالح السامرائي، وقد جاء لغرض أخذ الإجازة بالقراءات السبعة عن الشيخ وأخذها عنه، ومعه الشيخ أحمد القيسي، وعرضا عليه باسْم الجميعة السفر إلى بغداد لتعليم بعض أعضاء منتسبي جميعة الشبان المسلمين أحكام القراءات للقرآن الكريم، وهم مستعدون لتلبية كل متطلباته؛ فوافق الشيخ عبد اللطيف خليل خضر الصوفي وسافر هو وأسرته فاستأجروا له دارًا في بغداد – حي الاعلام، فكان الدار للسكن، ودَرَّس فيه بعض طلبة العلم، فبقيَ أربعة أشهر بتعليم متواصل ومستمر نهارًا وجزءًا من الليل، ويأتيه الطلبة كل حسب ظروفه وعمله، وكان لكل واحد منهم فترة زمنية واحدة، فمنح فيها تسع إجازات في القراءات السبع من طريق الشاطبية، وأربع إجازات في الثلاثة المتممة من طريق الدرة المضيئة، وأربع إجازاتٍ في قراءة شعبة عن عاصم.
فَمُنِحُوا جميعًا إجازات باحتفال كبير في جامع الجهاد في بغداد – مدينة الشعب، حضره سادة أجلاء منهم: الدكتور محسن عبد الحميد، والدكتور داؤود العاني، وطلبا منه أن يوقعا على جميع الإجازات، فوافق الشيخ عبد اللطيف الصوفي، وكانت هذه أول ظاهرة ومبادرة من نوعها.
ثم عاد إلى الموصل والتحق أولاده بدراستهم، وهو بمحاضراته في مدرسة الحدباء الدينية، وفي الوقت نفسه قدم كتاب تكليفه في جامع علي بن أبي طالب t، وصدر أمر مباشرته، وعاد إلى تعليم القراءات في الجامع المذكور آنفًا.
وهكذا الشيخ عبد اللطيف خليل خضر الصوفي كان دؤوبًا في طلب العلم من مناهله الغنية بالمعارف في علوم الشريعة وغيرها.
وكذلك في تعليم طلبة العلم في القراءات للقرآن الكريم، حيث عَلّم طلبةً كثيرين ومنح إجازات عديدة في جميع القراءات.
داعين الله تعالى أن يجعل علمه وعمله خالصًا لوجهه الكريم، ويثقل بهما ميزان حسناته يوم الدين، وأن يكون نبراسًا لنا جميعًا نقتدي بنهجه في طريق العلم والهداية.
اقرأ أيضًا:
تعليق واحد