العدد الثالثدراسات

العلامة محمد بهجة الأثري

وحياته العلمية والعملية

ملف العدد الثالث

(1)
العلامة محمد بهجة الأثري
وحياته العلمية والعملية

د. عماد خليفة الدايني

العلامة محمد بهجة الأثري
العلامة محمد بهجة الأثري

 

لقد شهد القرن الرابع عشر بزوغ عددٍ من نجوم العلم، وأئمة التجديد، ورؤوس النهضة، من التراثيّين والباحثين الروّاد الذين كتبوا وألّفوا وحقّقوا وأنجزوا انجازات علمية وثقافية جمّة كانت ومازالت أسسًا مهمة من أسس الثقافة العراقيّة والعربيّة الإسلاميّة الراهنة ودافعا ومنبّها قويا نحو البحث الجاد والدؤوب.

وفي مقدمة هؤلاء النجوم الأعلام الأستاذ الكبير العلامة محمد بهجة الأثريّ -رحمه الله-، فهو بحاثة في اللغة العربية والتاريخ والأدب، وهو عالم محقِّق كاتب شاعر أديب من الطراز الأول، وقد أشربتُ حب هذا الإمام وشيخه مِن قَبله الإمام العلامة محمود شكري الآلوسي لِما اتَّسما به من عقيدة صحيحة صافية نقية ومنهج سليم.

وقد كتبت هذا البحث عنه وهو إن شاء الله باكورة لبحوث أخرى عن هذا العلم العلامة المصلح، فعُنيت في هذا المبحث بـترجمته -رحمه الله-، وفيه مطلبان:

  • المطلب الأول: التعريف بالعلامة محمد بهجة الأثري.
  • المطلب الثاني: حياته العلمية والعملية.

وعند الكتابة على علم من أعلام الأمة، كالعلامة محمد بهجة الأثري -رحمه الله-، فليس القصد هو السرد القصصي، أو الوقوف على أحداث عابرة في حياته، بل لأخذ العبرة مما قدَّم، ومعرفة ما نفعَ به الأمة، فالعلامة محمد بهجة الأثري -رحمه الله- يمثل مشروعًا إصلاحيًا تنمويًا، ومشروعَ نهضةٍ إسلامية مدنية علمية أثرية، فيجب أن ندرس أفكاره، وأعماله، ومشاريعه، في ضوء مشروعه الإصلاحي الكبير، وبخاصة أننا في عهد نفتقر إلى أبسط مقومات الإصلاح، فلعلنا نأخذ العبر من مسيرة هذا الإمام العلم في طريقة إصلاحه العلمي والديني والمجتمعي بفكره وقلمه وأدبه، ووظائفه، ومؤتمراته، فلم يحمل بندقية ولا سيفًا، لكنَّ آثاره الطيبة عمَّت أرجاء البلاد، وتأثيره واضح بيِّن في مجتمعه خاصة، وفي بلاد المسلمين عامة.

وإني أقدّم هذا البحث هديّة نضرة إلى طلاب العلم ومحبّي رجال العلم، ووفاءً للعالم الفذّ، والجهبذ النحرير، والمصلح الخبير، العلامة محمّد بهجة الأثريّ -رحمه الله- الذي كثيرًا ما غمط حقّه وأغفل ذكره، عرفانًا لجميل أدبه، وعظيم جهده، في خدمة دينه وأمته وبلده.

وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به.

والله ولي التوفيق.

 

المطلب الأول: التعريف بالعلامة محمد بهجة الأثري

أولًا: اسمه ونسبه ([1]):

هو محمد بهجة بن محمود بن عبد القادر بن أحمد بن محمود، وهم أسرة عربية أصيلة من ديار بكر بن وائل، وأمه تركمانية من مدينة كركوك، وقد تعلم التركية منها وأتقنها.

والعلامة محمد بهجة الأثري ووالده الأفندي محمود بغداديان كِلاهما وولادةً نشأةً، وعائلته معروفة في التجارة ولها أملاك كثيرة في العراق كانت تتاجر بالخيول، وتدير عددًا من ملكية الخانات في بغداد.

ثانيًا: مولده ونشأته:

ولد العلامة محمد بهجة الأثريّ -رحمه الله-  في (23- جمادى الأولى من عام: 1320 هـ = الموافق  28 – 9 -1902م).

وولادته كانت في محلة جديد حسن باشا في جانب الرصافة من بغداد، وكانت أحسن أحياء بغداد، على مقربة من نهر دجلة ومن المدرسة المستنصرية العباسيّة المعروفة في التراث العربيّ الإسلاميّ، تحيط به المساجد الكبرى والدواوين الرئيسة للحكومة وأسواق التجارة وخاناتها الكبيرة، فنشأ فيها على التعلم والتقوى، ومارس التجارة والفروسيّة، دخل الرشيدية العسكرية فلم يتحمّل التدريب العسكري لضعف بنيته، فأمضى دور النقاهة في محكمة الاستئناف يتدرب على الإنشاء التركيّ، وترك الوظيفة ليتفرّغ للتخصّص في العربيّة وعلومها ([2]).

ثالثًا: أصله:

العلامة الأثريّ -رحمه الله-  عربي الأصل والفصل والدم والانتماء والولاء، وكانت عائلتهم تقطن  ديار بكر بن وائل، وهاجر جده الأعلى منها إلى أربيل في شمال العراق، على إثر خصومة مع والي البلد، وضاقت هذه المدينة الصغيرة عن مطامحه، فرحل من أربيل إلى بغداد ([3])، واستقرّ بها إلى أن لبَّى داعي ربّه إلى منيّته – رحمه الله -، وأسرة الأثريّ – رحمه الله –  من أسر بغداد الغنيّة، ووالده من تجار بغداد الكبار، وشملت تجارة والده التي توسعت المتاجرة بالخيول الجياد يرسلها الى الهند.

رابعًا: أسرته:

تزوج العلامة محمد بهجة الأثري من سيدة رفيعة النسب وشريفة الحسب دمشقية البلد وهي السيدة شهيرة بنت محمد توفيق بن الباشا نظيف، وجدها هذا نظيف كان واليًا على سورية في الحكم العثماني وولايته قصيرة كانت عشرين شهرا، وتوفي عام: 1896م.

ويذكر زوجته في قصيدته “لِمَ تُشنَأ الأنثَى” التي نظمها لابنته زينب، فيقول لها ([4]):

يَا بِنْتَ خَيْرَ الأُمَّهَا        تِ فِيْ مَعَالِيَ الْحَسَبِ

أَلْقِيْ لَهَا عَلَى الزَّمَا        نِ طَاعَةَ الْمُؤَدَّبِ

وَاْسْتَمِعِيْ لِنُصْحِهَا         تَلْقَيْ كَرِيْمَ الرَّغَبِ

وأَكْثِرِيْ الْبِرَّ بِهَا        فَالْبِرُّ خَيْرُ مَكْسَبِ

ويذكر نجله الأستاذ يسار الأثري أنَّ والده لم ير والدته السيدة شهيرة  قبل الزواج، وإنما زارت بغداد ووُصفت له فتقدم لها وتزوجها في بغداد وعاشت معه في بغداد إلى أن توفيت -رحمها الله- في بغداد ([5]).

وقد رزق منها بسبعة أولاد: أربعة أبناء، وثلاث بنات، وهم([6]):

  • الأستاذ زاهر الأثري وهو ابنهما البكر، وقد توفي رحمه الله سنة (2011)، ودُفن بدمشق.
  • مخلد الأثري عاش تسعة أشهر فقط، جعله الله فرطا لوالديه وشفيعا مجابا، وثقّل به موازينهما.
  • الأستاذ سناء الأثري.
  • الأستاذة نهى الأثرية.
  • الأستاذة زينب الأثرية، وهي التي رزق فيها وهو معتقل الفاو فنظم لها قصيدة فريدة من درر الشعر العربي الإسلامي، وهي قصيدة “لم تُشنَأُ الأنثى” إذ قال فيها ([7]):

أَهِّلْ بِهَا وَرَحِّبِ      فَهْيَ جَمَالُ الرُّحَبِ

رُؤْيَتُهَا الْفَرْحَةُ وَالسْــ      ـــسَـلْوَى وَبِشْرُ الطَّرَبِ

زَائِنَةُ الْمَنْزِلِ بِالْــ        إِيْنَاسِ وَالتَّحَبُّبِ

أيَّانَ تَخْطِرْ يَخْطِرِ النْـ      ــنُـوْرُ بِهِ في مَوْكِبِ

بَرِيْئَةٌ مَعْصُوْمَةٌ         تَمْرَحُ في طُهْرِ نَبِيْ

هِيَ النَّعِيْمُ وَالسُّرُوْ      رُ وَالرِّضَى في الْمَلْعَبِ

وَهِيَ شَذَا الْوَرْدُ إذَا      طُلَّ بِسَارِيْ السُّحُبِ

ويذكر إخوانها الأكبر منها زاهر وسناء ونهى عدا مخلد لأنه توفي، فيقول([8]):

تَحَبَّبِيْ إِلَى ” سَنَا ”        وَ ” زَاهِرٍ ” تَحَبَّبِيْ

وَجَامِلِيْ ” نُهَىْ ” بِمَا        تَقْضِيْ حُقُوْقُ النَّسَبِ

وتوفيت رحمها الله عام (2019م)، أي قبل عامين من كتابة هذه الترجمة.

  • الأستاذة عالية الأثرية، ولا تزال تعيش بفضل الله -طيب الله حياتها-، وقد قرأت لها تعليقًا كتبته منذ ثلاثة أيام في صفحة والدها العلامة الأثري -رحمه الله- عن المناقضات بينه وبين معروف عبد الغني الرصافي بسبب مواقف الرصافي من بعض التعاليم الإسلامية ودعوته إلى السفور.
  • الأستاذ يسار الأثري، وقد راسلته في كتابة هذه الترجمة فأفادني بمعلومات قيمة جزاه الله خيرا. وللأستاذ يسار أولاد وأحفاد ظهر منهم في تسجيل الترجمة الوثائقي ابناه محمد وفيصل، وبنتاه ملك ونور، وحفيداه من ابنته ملك: يوسف وسارة.

خامسًا: لقبه:

اشتهر بلقب الأثريّ -رحمه الله- وهو نسبة إلى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم والأثر يعني السنّة([9])، وفي ذلك يقول: “ولِانْتحالي لقب الأثري نسبة إلى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام منذ أول نشأتي العلمية، إشارة إلى عزوفي عن الانتساب إلى المدن أو العشائر، وتعلقي بالإسلام الصحيح، ونبيه المعظم”([10])، فهو يتسمى بالأثري لتمسكه بالإسلام الصحيح ورسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولهذه النسبة حادثة طريفة وهي أنّ العلامة الأثريّ  درس على شيخه علي علاء الدين الآلوسي كتاب “مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح” وهو كتاب في الفقه الحنفي، ألفه: حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ)، وهو على طريقة مقلدة المذاهب ومتعصبيهم، فلم يعجب الطالب محمد بهجة بشرح هذا الكتاب، بسبب عبارة قبيحة تنبئ عن تعصب مقيت ذكرها صاحب الكتاب، وهي: “إنك إذا عجنت عجينًا بماء، ثم تبين لك أنه نجس، فلك أن تطرح هذا العجين إلى الكلب، أو تبيعه إلى…”([11])، فوقع الطالب الشاب بدهش غريب، وقال لأستاذه علي علاء الدين الآلوسي: أستاذي ما هذا القول؟ ثم دهش مرة أخرى عندما قال له أستاذه ماذا تريد؟ فأجابه: أريد دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد أن أقرأ علم الحديث، والفقه الحقيقي.

فقال له أستاذه: أنت أثري إذن.

فسألَ أستاذَه: ما الأثري؟

فقال له أستاذه: هو الذي يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى أثره أي: سنَّته صلى الله عليه وسلم فيسمى بالأثريّ([12]).

فلزمه هذا اللقب من حينها وصار جزءا من هويته وكنيته، وبقي  له لقبا ونسبا طيلة حياته وبعد مماته، ويدخل التاريخ وعالم الخالدين بهذا اللقب.

وقد فخر بهذا المنهج الأثري والانتساب إليه بصوت مجلجل ندي في شعره فقال رحمه الله ([13]):

إذا اعتاد همسَ القولِ في الحقِّ شاعرٌ      فإنَّني غيرَ الجهرِ لم أتعوَّدِ

بِحَسْبِي أنِّي في اعتقادي مسلمٌ           وأنِّي بخير الخَلقِ بالخُلْقِ مهتدي

وما ضرَّني إنْ فاتني هَدْيُ مَذهَبٍ         إذا كان هَدْيِي بالنبيِّ محمدِ

وكذلك في قوله رحمه الله ([14]):

ألا ليت أقطاب الضلالة فكرت      وليت اعتصاب الجهل ما ثار يعتدي

إذن لاستحالت هذه الناس أمةً        تدين لناموس الرسول المجددِ

ثم يقول يصف حال السلف رضي الله عنهم وبركة اتباعهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما آل إليه حالنا اليوم بسبب التعصب والتفرق في المذاهب ([15]):

رعوه، فدان الدهر في ذل خادم     وملنا، فصال الدهر في عز سيِّدِ

وعاشوا جميعا والصفاء طرافهم       وعشنا فرادى والعداء بمقعدِ

تباين أمرانا: فدين موحَّد         تفرقنا فيه مذاهبُ أعبُدِ

وأربت على فوضى المذاهب ضلَّةً      سياسات أحزاب عن الحق حُيَّدِ

فعدنا ونحن الأكثرون أذلة      إلى الضيم نزجى كالذلول المعبَّدِ

ورثنا أقاليم البلاد فضُيِّعت        فنحن فيها في غربة المتشرِّدِ

ألا لا أرانا يجمع الدهر شملنا      ونحن شِظاظٌ بالضلالات نقتدي

ولم أرَ شرًّا كاختلاف مذاهب     ومن تحتها ثوب السياسة ترتدي

فإن كنت شهما أيها المصلح الذي     يجاهد، فاقبر كل خُلْفٍ بِمَلْحَدِ

وقال أيضا يمجد السنة واتباعها ([16]):

ومنْ يكنْ برسول الله مؤتسيًا     لم توههِ من عدو الله ضرّاءُ

سادسا: أبرز من كتبوا عن العلامة محمد بهجة الأثريّ:

مِن أبرز مَن كتب عن العلامة الأثريّ – رحمه الله – :

  • العلامة الدكتور إبراهيم مدكور رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة في كتابه الموسوم “مع الخالدين”.
  • الشاعر المصريّ الكبير عزيز أباظة.
  • الدكتور أحمد مطلوب أمين عام المجمع العلمي العراقي.
  • العلامة عبد القادر المغربي.
  • العلامة محمد كرد علي.
  • الكاتب العربي أنور الجندي.
  • أدهم الجندي.
  • صالح السهروردي.
  • رؤوف الواعظ.
  • عبد الله الجبوري.
  • الدكتور عدنان الخطيب.
  • محمد مهدي علام.
  • الباحث العراقي حميد المطبعي.
  • غيرهم الكثير من أعلام الفكر والأدب، كما كتبت عنه أكثر من رسالة جامعية ([17]).

يقول العلامة محمد بهجة الأثري: “تفتحت على البحث والتأليف والكتابة والتحقيق والنشر منذ بداية إقبالي على الدراسات العربية والإسلامية في سن اليفاعة، ولما قرأت علما من العلوم دون أن أؤلف فيه، وأعلق عليه، فقد خلقت ميالا إلى تعرف الأشياء أمد بصري وفكر إلى ما دنا مني، وبعد فطرة وغريزة وحرص على اكتساب العلم، والمعرفة في أي لون، ومن أي شيء أستطيعه مع الميل إلى العمل والتطبيق”.

ومن أبرز مؤلفاته رحمه الله:

قال نجله الأستاذ يسار الأثري: أكثر الكتب الذي شغله هو تحقيقه لكتاب نزهة المشتاق للإدريسي، واستغرق العمل به ما يقرب سبعة عشر عاما.

وكتب أكثر من خمسة آلف ورقة لا زالت كلها موجودة ولله الحمد جاهزة للطبع والنشر بإذن الله تعالى حينما يحين وقتها.

سابعا: وفاته – رحمه الله :

توفي الأستاذ الأثريّ – رحمه الله –  مودعا دنياه في يوم السبت الرابع من ذي القعدة عام: 1416 الموافق: الثاني والعشرين من آذار (عام: 1996م) في بغداد ودفن فيها – رحمه الله –  تعالى، بعد عمر حافل بالعطاء والإنجاز، والإصلاح، وحمل هموم الأمة وقضاياها، وخدمة فريدة للأدب الرصين، وخدمة لغة القرآن والثقافة الهادفة لما يقرب من القرن من الزمن هو أصعب قرن شهدته الأمّة بأحداثه الجسام وفتنه العظام. وبعد وفاته أصدر المجمع العلمي كتابا في تكريمه والإشادة بجهوده ([18]) .

وقد قال وكأنه يرثي نفسه: ” الموت نقلة من دار إلى دار، وعودة هذا الجسم الترابي إلى التراب، أما الروح التي تقمصته فتبقى حية خالدة بما قدمته من عمل صالح، وأنا إنسان قامت حياتي منذ النشأة على الدرس، والنظر، والتأمل في سلسلة متصلة الحلقات؛ لذلك فإنَّ عقل الإنسان باق بما استطرف من أفكار “.

 

المطلب الثاني: حياة العلامة محمد بهجة الأثري العلمية والعملية:

أولا: محطات التحول في حياته:

المحطة الأولى: بدأ العلامة الأثري حياته ابنًا لأسرة ثرية مرموقة تعمل بالتجارة والعقارات في بغداد، ونشأ يتعلم التركية، فالفارسية، ثم الإنجليزية والفرنسية، فطلب منه والده ذات يوم أن يقرأ له صحيفة عراقية كانت لديه، لكنه تلعثم، ولم يستطع القراءة، فهذه الحادثة أدت إلى ردة فعل عنيفة دعته إلى أن يتعلم العربية، فكانت هذه الحادثة نقطة تحول أولى في حياته، فراح يتعلم العربية ويتقنها، ويقرؤها، ويتضلع بها، حتى غدا فيها إماما مُبْدِعا.

المحطة الثانية وتعدُّ المحطة الأهم في حياة الأثري، وكانت منذ تعرفه على الإمامين العالمين الآلوسيين:

السيد علي علاء الدين الآلوسي الحسيني وهو الذي أطلق لقب الأثري على الطالب محمد بهجة.

وابن عمه السيد محمود شكري الآلوسي الحسيني، وقد كان أستاذا لأجيال الثقافة العراقية، ومن بينهم معروف عبد الغني الرصافي، ومحمد بهجة الأثري نفسه، وفتح له في البحث الشرعي طرقا فرعية أخرى في مختلف حقول الثقافة والمعرفة في الأدب والفن والتاريخ والجغرافية وغيرها.

ثانيا: طلبه للعلم وإجازاته العلميّة:

بدأ العلامة الأثريّ – رحمه الله – تعليمه القراءة والكتابة في إحدى كتاتيبها فأتم قراءة القرآن تلقينًا وتجويدًا في السادسة من عمره، ثم أنهى الدراسة الابتدائية، ثمّ درس اللغة العربية وعلومها والأدب لمدّة عام واحد في ثانوية التفضيل الأهليّة، ثم توجه في سن مبكّرة إلى تعليم اللغة العربيّة وآدابها وعلوم الشريعة الإسلاميّة على يد مجموعة من جلّة العلماء ثمّ أكمل تعليمه في المدارس النظامية فدرس بالمدرسة السلطانية حتى عام: 1336 هـ- آذار 1917م، وكان حاد الذكاء سريع الحافظة تواقًا إلى اكتساب مزيد من العلم فتعلم اللغات: التركية والفرنسية والإنجليزية ([19]).

وأهمّ ما أثر في حياة العلامة الأثريّ – رحمه الله –  بعد سلامة الفطرة وسلامة البيئة التي نشأ فيها، هو تتلمذه على يد علمين من أعلام الأدب واللغة العربيّة والعلوم الشرعيّة في بغداد، فلازم الشيخ العلامة علي علاء الدين الآلوسي وكان يومئذٍ قاضي بغداد، وقرأ عليه المجموعة الصرفية، وكتاب نزهة الطرف في علم الصرف للميداني، وقرأ عليه في الأدب مقامات أبي الثناء الآلوسي وغيرها من كتب اللغة والأدب والفقه، ثمَّ قصد العلامة السيد محمود شكري الآلوسي وكان يومئذٍ عضوًا في المجمع العلمي العربي بدمشق، فلازمه ملازمة تامّة أربع سنوات إلى مرض موته، فقرأ عليه في العربية البلاغة والنحو والعروض والقوافي وعلم الوضع والفرائض والحديث والأنساب والمنطق والمواريث وتاريخ العرب قبل الإسلام وآداب البحث والمناظرة، فكان من أفذاذ علماء العراق الذين نبغوا بعلومهم وآدابهم حتى ذاع صيتهم، وأخذ إجازات العلم والأدب والخطّ من العلامتين الشيخ محمود شكري الآلوسي([20]) المتوفَّى (عام: 1923م) فتأثّر به وأخذ عنه اتجاهاته في البحث والتأليف، والشيخ القاضي علي علاء الدين الآلوسي([21]).

ودرس على يد علماء بغداد في عصره، ومن العلماء الذين تأثر بهم العلامة نعمان خير الدين الآلوسي المتوفَّى (عام: 1340م).

وبرع في فنّ الخط على قاعدة نس تعليق، وكان خطه أشبه بخط أستاذه محمود شكري الآلوسي في الرسم والضبط، وله نماذج من خطه في المجمع العلمي العراقي، وقد خط وكتب كثيرا من الكتب لنفسه ولأستاذه ([22])، وتأثر بشخصيتين بارزتين في الخط العربي من العصر العباسي، الأول هو الوزير ابن مقلة، والثاني هو ابن البواب، والذي يوصف بأنه قلم الله في أرضه؛ لشدة حسن خطه وجودته، واهتمام العلامة محمد بهجة الأثري رحمه الله دفعه لترجمة كتاب عن ابن البواب.

ولم ينقطع العلامة محمد بهجة الأثري عن العلم والتحصيل إلى أخريات حياته رحمه الله، إذ قال عن نفسه: “يراودني إحساس دائم لا يكاد يفارقني، بأني ما زلت في البداية، وكنت كلما توغلت في البحث والدرس أخرج بنتيجة واحدة: هي ضرورة التعمق والتوسع والاستقصاء في جوانب المعرفة، وكلما تقدم بي العمر وكثرت دراساتي شعرت أنني أمام بحر ليس له حدود، وأنني ما زلت على الساحل، أنا طالب علم، وطالب العلم نهم لا يشبع”([23]).

ومما اتصف فيه في حرصه على تحصيل المعلومة تسجيله للفوائد، فكان رحمه الله يحمل دائما ورقة وقلم، فيخرجها فجأة ويكتب ما يجول في ذهنه، من ذكريات وملحوظات وخواطر وأشعار، وأشياء كثيرة، وهذه سجية كل طالب علم مجتهد، أن يكون عنده تقييد للفوائد والأفكار والخواطر، حتى يحفظها من النسيان، وقد صارت هذه السجية سنة متبعة لطلاب العلم منذ القرون الأولى، فقال القائل:

العلم صيد والكتابة قيد     قيِّد صيدك بالحبال الواثقة

فمن السفاهة أن تصيد    غزالة وتدعها طالقة

ثالثًا: عقيدته:

كان سلفي المعتقد على منهج شيخه العلامة محمود شكري الآلوسي رحمهما الله تعالى، والعقيدة السلفية هي العقيدة التي تتبع الدليل من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، بفهم السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الصحابة، وتنبذ الأهواء والبدع والتفرق والتقليد والتعصب.

وقد أوضح هذا في مواضع من شعره، منها قوله ([24]):

ودلَّ بآثار الوجود نُهى الورى     على موجدٍعن كل نقص مبَعَّدِ

وقام على التوحيد حائط دينه    فجَمَّع بالتوحيد كلَّ مبدَّدِ

وقال موضحا النهج الذي ينبغي التمسك به على كل مسلم ([25]):

دستورك الفرقان، أما وعظهُ     فهدى، وأما حكمه فمسدَّدُ

عالٍ على الأهواء، لا متملِّقٍ    أحدا، ولا متعسِّف يتمرَّدُ

ولعل عقيدته الصحيحة الصافية، ومنهجه المستقيم السديد كانا سببا في تعمد إخمال ذكره، وإبعاد نشاطه ونتاجه الأدبي عن أنظار الدارسين سواء في مناهج التعليم في وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي، أو في ميدان الثقافة، والمنتديات الأدبية، فلا يكاد يعرفه إلا نخبة من خواص المتعلمين، والباحثين، يقول المفكر العراقي حسن العلوي عن منهج الأثريّ – رحمه الله: ” هذا الرجل أغفله القوميّون لأنّهُ لم يكن قوميًا، لأنَّه كان يأخذ بالعروبة والإسلام، وأغفله الشيوعيون؛ لأنَّه كان يعتبر يميني، وأغفله أهل الحداثة؛ لأنه يعتبر من أهل المدرسة الكلاسيكية التقليدية، فلا توجد جهة في العراق سياسية، أو ثقافية ذات مصلحة في الرجل، المصلحة الآن بدأت أهمية الرجل بعد أن اكتشف التيار القومي أن موقفه الحادّ من الإسلام لم يكن صائبا، وبعد أن اكتشفنا نحن أنَّ بإمكاننا أن نقدم تيارا عربيا، وليس تيارا قوميا، فلا يرفض؛ لأن الرجل لم يكن قوميا، بل كان عربيا ” ([26]).

لكنه يبقى بلا منازع ولا شك علم رائد من أكبر رواد النهضة العربية الحديثة وقادتها وموجهيها الذين كانوا يهدفون إلى نهضة عربية إسلامية تنتشل الأمة من الضعف والضياع، فغايتهم هي: “الأمة العربية الإسلامية المتحضرة المتقدمة، فمن السمات المعرفية لهذا الخضم المعرفي الواسع تبرز كذلك إسهاماته في تنشئة أجيال من الثقافة العراقية المعاصرة، فهو يعد إلى جانب ساطع الحصري رائدا أساسيا في وضع المناهج الدراسية الحديثة في العراق من خلال عمله في لجنة وضع المناهج في وزارة المعارف ” ([27]).

رابعًا: صفاته وسجاياه:

  • التواضع:

سمة بارزة وخلق نبيل اتسم به العلامة الأثري رحمه الله، والحق يقال أن أغلب رموز بغداد وعلماءها سمتهم التواضع من غير ضعف ولا ذلة فقد كان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه مثالا في التواضع، وكذلك شيخه محمود شكري الآلوسي رحمه الله، ولا يزال غلى اليوم فضلاء بغداد لا يدانيهم أحد في التواضع، أذكر في هذا المقام أخا فاضلان وأستاذا وشيخا وعالما وهو عمار الخطيب أبو عبدالوهاب عرفته قبل أكثر من عشرين عاما من أبسط الناس ومن أكرمهم ببره وجوده وخلقه لا يرد سائلا ولا محتاجا، بابتسامة وبساطة وبشاشة، ولي معه مواقف طيبة جمة، وله علي أياد لا توفيها الأنام، ولم يقل يوما مفتخرا بشيء حتى أنني قبل أسبوع فقط علمت أن والده عادل الخطيب كان وزيرا في العهد الملكي ثم وزيرا في العهد الجمهوري ومن لجنة كتابة الدستور، وهو لم يذكر ذلك طيلة هذه المدة.

نعود إلى العلامة محمد بهجة الأثري رحمه الله فأسرته هي من أسر بغداد المرموقة، وقد عاصر هو حكومات العراق للعهود الماضية عثمانية وملكية وجمهورية، وزار معظم الدول العربية والتقى بقادتها وعلمائها وله مكانة سامية في بلد يدخله، ولم يفتخر بشيء من ذلك في كلامه ولا في شعره، ولا علم هذا من واقفه، وإنما كان من أبسط الناس وأقربهم من الجميع.

فرحمه الله وأعلى درجته واخلفه في عقبه خير ما أخلف الصالحين من عباده.

  • كثرة تلاوة القرآن الكريم:

تعلق الأثري منذ نشأته بالقرآن الكريم، وتعلمه وتلاوته، فكان منهله الأول الذي لا ينضب، ويظهر ذلك جليا في ادبه شعرا ونثرا، فإذا طالعنا ديوانه وجدنا يزخر بالأثر القرآني، ولا تكاد تخلو قصيدة، أو مقطوعة من اقتباس قرآني، لفظي أو معنوي، ولم ينقطع عن تلاوة القرآن الكريم، بل ظل محافظا عليها، ومكثرا منها غلى اخريات حياته رحمه الله، فقد ذكر نجله الأستاذ يسار الأثري عنه أنه كان يعزو قوة ذاكرته إلى كثرة قراءته القرآن الكريم ([28]).

  • الشجاعة وصدحه بالحق:

كان العلامة محمد بهجة الأثري رحمه الله صاحب هدف ومشروع، آمن باتباع الحق، وبقي ينافح، ويناضل، ويدافع عن الحق، فربما ظن بعضهم فيه شدة وقسوة، وهي في الحقيقة قوة في الحق، وأنه لا تأخذه في الحق لومة لائم، قال رحمه الله عنه نفسه: “يتهمني البعض بالقسوة، ويرى فيها طبعا لا يتبدل في شخصيتي، لكنَّني رجل صاحب قضية أمة ومصير، أستمسك بعراها، وأشدها شدا، ونحن الحق والعدل والإنصاف، وأنا لست قاسيا إلا في مجال الفكر والقلم، وأنا أعلن كلمتي في نية صادقة وقلب سليم، ولا أدعي العصمة، لكن هناك من يخلط بين القسوة والصراحة، وللناس فيما يرون مذاهب”.

ولم تكن القسوة أو الصراحة، أو التشدد في المواقف لتقف عند حدود السجال في محيطه الثقافي، إذ تجاوزت أحيانا قاعدة المقام، ومقتضى الحال، فعندما  زار شاعر الهند الكبير “طاغور” العراق في العام: 1931م، بدعوة من الملك فيصل دعا في تلك الزيارة إلى ما سماه ” المسالمة والموادعة والتعايش ” وهي مبادئ تنبع من أصول الثقافة الهندية، لكن الأثري الذي يعيش عن كثب تفاعلات حالة الصدامات الأهلية مع الملكية في العراق كان له موقف آخر، وذلك في قصيدة وجهها إلى شاعر الهند الكبير:

بسمت لبغدادٍ وبغدادُ ثاكلة       فلم تر إلا أن تهش مجاملة

وبغداد ثغر صاغه الله باسما     لكل أديب حط فيها رواحله

إذا ما اقشعر الدهر فارقب فعالها   وأصغ إلى صوت القواضب فاصلة

ألا لا يرعك القول مني أقوله     وإن يكن ضدا للذي جئت حامله

فإنا على حال إذا ما دريته       عذرت ورمت العفو إن كنت جاهله

وفي موقف آخر، يظهر لنا صادحًا بالحق بصوته المجلجل، إذ دعته الجامعة الأمريكية ببيروت في سنة 1951م لمؤتمر الدراسات العربية وخصصت له يوما من أيامه الأربعة لإلقاء محاضرة عن الاتجاهات الحديثة في الإسلام، وكان من جهودها الكاتب المصري أنور الجندي الذي وصف صراحته في جريدة الدعوة السعودية قائلا: “وهو الرجل الشجاع الذي دعته الجامعة الأمريكية في بيروت للكلام فلما ذهب إلى هناك قال لهم كل شيء دون تهيب أو مجاملة، وتركهم فاغري الأفواه”.

  • وفاؤه.

قال نجله الأستاذ يسار الأثري: “من صفات الوالد التي أحبها فيه: أنه كان وفيًّا جدا لأصدقائه، وكان عنده وفاء عجيب للأسرة الآلوسية، وخاصة الأساتذة الذين درس عليهم مثل العلامة محمود شكري أبو الثناء، فتقريبا حقق كل ما كتبوه، وهو اشتهر بهم، وكان وفيًّا لهم وفاءً حقيقيًّا”([29]).

وقال العلامة محمد بهجة الأثريّ – رحمه الله – في ذكر الوفاء، والتحسر على تنكر الناس له:

مَا بَالُ دُنْيَانَا تَسِيْرُ الْقَهْقَرَىْ       وَالنَّاسُ فِيْ خُدَاعِ الْهَوَىْ وَكِذَابِهِ

كَانُواْ عَلى عِرْقِ الْوَفَاءِ فَقَطَّعُواْ      أَرْحَامَهُ وَعَدَواْ عَلَى أَحْسَابِهِ

قَدْ صَارَ مَخْشِيًّا أَذَى أَوْصَابِهِ        مَنْ كَانَ مَرْجُوًّا جَنَى آدَابِهِ ([30])

مَنْ لِيْ بِإِنْسانٍ إِذَا كَرَّمْتُهُ       يَزَعُ الأَذَى وَيَكُفُّ سُمَّ لُعَابِهِ ([31])

ثم يقول فيها:

وَلَئِنْ أَسَاءَتْنِيْ التَّجَارُبُ إِنَّنِيْ         سَأَظِلُّ أَحْسِنُ بِالْفِعَالِ النَّابِهِ

وَأُوَاصِلُ الشِّيَمَ الْكَرَائِمَ عَادَةً       وَهَوىً عَلَى لُؤْمِ الزَّمَانِ وَعَابِهِ

كَالْغَيْثِ يُمْطِرُ مُجْدِبًا أوْ مُخْضِبَا    يَجْرِيْ عَلَى دَأْبِ الْكِرَامِ وَدَابِهِ ([32])

ثم يقول فيها:

مَا الْعُمْرُ إِلا مَا أَفَادَكَ طَيِّبًا        وَحَبَوْتَ أَطْيَبَهُ وَسِرَّ لُبَابِهِ ([33])

إِنْ لَمْ تَكُنْ وَرْدًا فَخَالِسْ عِطْرَهُ      وَانْفَحْ حَوَالَيْكَ الْوَرَى بِمَلَابِهِ ([34])

ومن دلائل وفائه لشيخه العلامة الإمام محمود شكري الآلوسي رحمه الله مرثيته فيه “وا حرّ قلباه”، قالها في حفلة تأبين بغداد وعدد أبياتها 67 بيتا([35]):

أتيت   بالعيد   أهْني  العيد  شوّالا   *   الظنّ أنّك قد   أبللت   إبلالا

فعدت    والقلب   ملتاع   بلوعته  *  والعين  ترسل  فيض الدمع إرسالا

فوا  لدهري!  أما  يكفيه  ما فعلت *   صروفه فيّ   حتى   كرّ   صيالا

بالأمس  صاح  بإخواني  فأخمدهم  *  واليوم    صال   الاستاذ   فاغتالا

يا  راحلًا  جدّد  الأحزان  مصرعه *  نغّصت  عيشي  وزدت  البال بلبالا

قد كنت برًا لا تنثني حدبا         *    فمالك  اليوم  تجفو  الصحب والآلا

سئمت منا فأزمعت السرى عجلًا؟   *  أم  قد  رأيت  مصير القوم ممحالا

أم   لم   يرقك  مقام  بين  أظهرنا *  لما  رأيت  رعاء  الشاء  أحطالا؟

عليهم   من   جلود  الشاء  أردية  *   يخادعون    بها    الأغنام   خُتالا

آلت   إليهم   مقاليد  الأمور  وهم  *  لا   يرقبون  سوى  أحوالهم  حالا

بالأمس  كانت  إلى  جنكيز نسبتهم *  واليوم  صاروا  إلى  قحطان أنجالا

حال  لعمرك  تبكي  كل  ذي  بصر  *  وتذهل  العاقل الفكّير إذهالا

باسم  العروبة  قد  باعوا  مواطننا   *    وحملونا    على    الأثقال   أثقالا

وأرهقونا    على   الإذلال   إذلالا   *    وطوقونا   على   الأغلال   أغلالا

وللقصيدة تتمّة يمكن مراجعتها في كتابه المعروف “أعلام العراق”([36]).

ومن معالم وفائه لشيخه محمود شكري الآلوسي رحمه الله ما جاء في الخطبة التي افتتح بها الأثريّ – رحمه الله –  حفلة التأبين الأربعينية لأستاذه محمود شكري بن عبد الله الآلوسي المتوفَّى (عام: 1344 هـ) قوله: ” أحيِّيكم تحية مهيض جُبر كسره، وكئيب أذهب عنه الحزن بعد أن راعه دهره، وأشكركم على شعوركم الحيّ في تقدير نوابغ الرجال والاهتمام بأمورهم: شعرتم بالأمس عندما حمّ القضاء، ونزل البلاء، وغالت المنية رجل الإسلام الفذّ، بالفراغ الكبير الذي كان يشغله في عالمي العلم والأدب، فهرعتم لتشييع جثمانه الطاهر من كل فج متفجعين، وما فيكم إلا المحوقل والمرجع والمتأسف والمتوجع، والنادب والمتصدع والنائح والجازع.

واليوم لبيتم دعوتنا واجتمعتم لتأبينه واستمطار الرحمة لتلك الروح الطاهرة التي خدمت العلم والأدب سبعين حجة واصلة ليلها بنهارها من غير أن يعروها فتور أو سأم إلى أن لبّت داعي ربها فذهبت إليه طاهرة زكية، فنشكركم على عرفانكم للجميل، ووفائكم بالذمة وتقريركم للعلم، لا جعل الله لعدوكم عليكم سبيلا ” ([37]).

  • ذاكرته الفذة:

ذكر نجله يسار الأثري أنه كان يتمتع بذاكرة فذة قوية، وكان محمد بهجة الأثري رحمه الله يعزو ذلك إلى كثرة تلاوة القرآن الكريم([38]) ومن مواقفه في الذاكرة يقول طلب مني مرة أن أحضر كتابا من مكتبته فقال: تجده في الدولاب الثاني في رف كذا ثاني كتاب او ثالث كتاب، والمكتبة في الطابق العلوي من البيت ولم يصعد إليها منذ 25 عاما بسبب إصابته بمرض التهاب في المفاصل ” ([39]).

فلنا أن نتصور حجم هذه الذاكرة، وسعة هذا العقل وقابليته للحفظ، على طول هذه المدة لربع قرن، وهو يتذكر ادق التفاصيل عن مكتبته.

  • ورعه:

على الرغم من موسوعيته المعرفية، ووصفه بالعلامة وصفا يستحقه، وطلبه للعلم منذ بواكيره في دراسة الفقه، وعلوم الدين، فهو بقي شخصية محافظة متواضعة متورعة عن الخوض في الأحكام الشرعية، فلم ينشغل بإصدار الفتاوى للناس، ولم يتصدَّ لقضايا الدين في حياتهم اليومية، وإنما انشغل بتنويرهم من خلال حقول الثقافة والفكر، والأدب، لا من خلال مواعظ الأحكام الشرعية، من معاملات وعبادات، فهو على غزارة علمه وفقهه كان يتحرج من إصدار فتوى، وخاصة الفتاوى في التكفير، فعنده المسلم الذي يقول: ” لا إله إلا الله ” فهو مسلم.

ويقول حسن العلوي سألته مرة: لماذا لا نجد لك فتاوى، فقال: ” أنا لست في موضع من يصح له إصدار الفتوى ” هذا العالم الجليل المرجع الفقيه ” ([40]).

وهذا قوله وورعه مع غزارة علمه وسعة اطلاعه، فأين الناس منه اليوم، وقد استبيحت الفتوى وصار الصبيان يصدرون الفتوى في الحلال والحرام.

  • إيمانه بالعقيدة الصحيحة والإسلام النقي من البدع والخرافات.

تعد هذه المزية من أهم سجايا العلامة محمد بهجة الأثري؛ إذ إنه عرف الإسلام الحق، والمنهج الوسط، وبقي متمسكا به داعيا إليه، إلى أن توفاه ربه سبحانه وتعالى، ونجد غرسه قد أثمر ثمارا طيبة في أسرته المباركة، وفي طلابه، وفي مجتمعه، وهكذا يكون المصلح الصادق، نحسبه كذلك والله حسيبه، وقد أوضح هذا المنهج، وهذا الفهم الصحيح للإسلام المبني على العلم الصحيح من الكتاب والسنة، وفهم السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، ونبذ التقليد والتعصب، والخرافات والبدع والأهواء،

  • تمسكه بالسنة ونبذه للتعصب:

قال رحمه الله في نبذ التعصب وذمه: ” إن التعصب في كل ألوانه وصوره وحالاته لا يتجسَّد عند عامة الناس الذين يجهلون الحقائق والنيات في الصدور، وإنما يتجسد عند الزعماء ممن ينتفعون من تلك العصبيات، فيدفعونهم نحوه بعد أن يغرسوه في نفوس أتباعهم استبقاء لهيمنتهم، وحفاظا على زعاماتهم، ومنافعهم وما يمتلكون “.

وذكر صاحب الخزانة أنه عندما كان في جامع الحيدر خانة قام بنقل القبور من المسجد إلى المقبرة، وهذا بحد ذاته جهاد في تطبيق الشريعة وإحياء السنة إذ المساجد أقيمت للصلاة لا لدفن الموتى فجزاه الله خيرا.

خامسًا: جهوده في اللغة العربية:

الإمام العلامة محمد بهجة الأثري رحمه الله يمثل مدرسة رائدة في اللغة العربية، فهو ذو نهج فريد في اللغة وفي التعامل مع قضاياها، كما أنه أعطى دوافع للغويين جعلتهم يؤمنون بحيوية اللغة، ومواكبها للحياة، والتطور الحاصل، ومستوعبة للمبتكرات الصناعية، والتقنية، يقول المفكر العراقي حسن العلوي عن منهج الأثريّ – رحمه الله – في اللغة: ” مدرسته اللغوية كان من المتنورين، رغم أنه محافظ وسلفي، لكنه في مناهج اللغة والإصلاح اللغوي لم يكن سلفيا، كان متنورا ومنفتحا، ويمكن يكون أهم لغوي حتى الآن ساهم في فكرة توسيع مدى اللغة بحيث تتقبل الصياغات والاشتقاقات، هو كتب الدراسة الأساسية في مسألة أوزان الآلة، لتسهيل قبول المخترعات العلمية في هذا العصر، وهو لم ينتم إلى مدرسة أسعد داغر، أو حتى إلى مدرسة مصطفى جواد، كان أكثر تحررا من المدارس اللغوية، يعني لم يكن حارسا من حراس اللغة، أنا لا أميل إلى حراس اللغة، اللغة لا تحتاج إلى حارس ” ([41]).

ولم تقف جهوده عند هذا الحد، بل إنه استدرك على اللغويين القدامى أشياء تعد في ميدان اللغة ابتكارا علميا فريدا، ومنها تمسك كثير من اللغويين بالقول أنَّ ما كان على وزن ” فاعول ” فهو أعجمي، وقد جمع العلامة محمد بهجة الأثري رحمه الله أكثر من عشرين اسما عربيا فصيحا على هذا الوزن، فرد إلى الأذهان عربية هذا الوزن، ومن هذه الاسماء: فاثور وقد ورد في شعر امرئ القيس، فقال: فاثور اللجين، أي: طبق الفضة، وعاقول، وحاطوم، وماعون ([42])، فأسهم بقدر جليل في خدمة اللغة العربية وآدابها وفكرها من خلال نشاطه الفكري وإنتاجه العلمي الغزير تأليفًا وتحقيقًا.

سادسًا: آثاره ومصنفاته:

ترك العلامة محمد بهجة الأثريّ – رحمه الله –  مؤلفات وبحوث ثمينة، لا زال صداها يتردد في مجامع اللغة والعلم، وتدل على عظيم موهبته وعلمه وضلاعته في علوم الأدب والعربية وغيرها، وقد عني – رحمه الله –  بتحقيق وشرح مؤلفات شيخه العلامة محمود شكري الآلوسي، ونشر طائفة صالحة من كتبه،  وتراثه الضخم طبع منه الكثير ولا يزال بعضه مخطوطا لم يرَ النور إلى الآن، وسأذكر فيما يأتي أبرز كتبه أبتدئ المطبوعة ثمّ أثنّي بدواوينه الشعريّة ثمّ أثلّث بالمخطوطة، ثمّ أختم بآثاره بالتحقيق:

  • المطبوعة:
  • الاتجاهات الحديثة في الإسلام (طبع ثلاث طبعات، منها طبعة مصرية مستقلة أصدرها الكاتب الإسلامي محب الدين الخطيب).
  • ارتسامات حملات نادر شاه في آثار أدباء حديقة الزوراء، مجلة المجمع العلمي العراقيّ، المجلد: 33، عام: 1982 م.
  • أعلام العراق، الذي يحوي تراجم أهل العراق وهو نادر من نوعه في السبك والصياغة، ويتضمن سيرة الإمام الآلوسي الكبير وتراجم نوابغ الآلوسيين، عام: 1924 م.
  • الألوان في الفصحى والدراسات العلمية واللغوية (ضمن كتاب المحاضرات المفتوحة في المجمع العلمي العراقي).
  • تحرير المشتقات من مزاعم الشذوذ، (الدورة الأربعون لمجمع اللغة العربية بالقاهرة) عام: 1974 م.
  • خواطر وسوانح في حلول مشكلات الماء والتغذية وتزايد السكان، مجلة أكاديمية المملكة المغربيّة، ج: 1، عام: 1982 م.
  • ذرائع العصبيّات العنصرية.
  • الرئي بديل التلفزيون، المجمع العلمي العراقي، مج: 4، الجزء: 3 – 4، عام: 1989 م.
  • سيرة العلامة الأثريّ – رحمه الله -، بقلمه، مجلة المورد، مج: 24، عام: 1996 م.
  • الطيران من الخيال إلى الحقيقة ومغزى غزو الفضاء، مجلة المجمع العلميّ العراقيّ، مج: 37، ج: 4، عام: 1986 م.
  • الظواهر الكونية في القرآن.
  • علم استنباط الحياة الخفية عند العرب مجلة المجمع العلمي العراقي، مج: 36، ج: 1، عام: 1988 م.
  • عين الحياة في علم استنباط الحياة، مجلة المجمع العلمي العراقي، مج: 36، ج: 1، عام: 1988م.
  • فتاوى وتحقيقات لغوية ونحوية نادرة، أكاديمية المملكة المغربيّة، العدد: 6، عام: 1989م.
  • مأساة الشاعر وضـّاح اليمن، وهي مساجلة أدبيّة بينه وبين أحمد حسن الزيّات – طبع مرات عدّة آخرها بتحقيق وشرح الدكتور محمد خير البقاعي.
  • المجمل في تاريخ الأدب العربي، طبع عام: 1927م.
  • محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث (محاضرة حاضر بها طلاب كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض في عام: 1400هـ) ونشرتها الكلية في مجلتها أضواء الشريعة، ثم نشرتها الجامعة مستقلة بمقدمة كتبها رئيس الجامعة الدكتور عبد الله ابن عبد المحسن التركي، ثم (المجلة العربية) التي تصدر في جدة (عام: 1406هـ – 1985م)، ثمّ طبعته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى (عام: 1424هـ) بعنوان محمد بن عبد الوهّاب داعية التوحيد، أي: من غير إضافة والتجديد في العصر الحديث.
  • محمود شكري الآلوسي وآراؤه اللغوية، حاضر بفصوله طلاب معهد الدراسات العربية بالقاهرة التابع لجامعة الدول العربية، ونشره المعهد (عام: 1958م).
  • المدخل في تاريخ الأدب العربي (كتاب مدرسي لطلاب الدراسة المتوسطة. عهدت وزارة المعارف إليه تأليفه (عام: 1930م)، وطبع ببغداد عام: (1931م)، وله سبع طبعات، وألغى المشرف البريطاني تدريسه في أعقاب ثورة آيار (عام: 1941م) التي أخفقت لمشاركة مؤلفه في تأجيجها).
  • مصادر تاريخ الجزيرة، دراسات تاريخ الجزيرة العربية، ج: 1، عام: 1979م.
  • مهذب تاريخ مساجد بغداد وآثارها، أصل الكتاب لشيخه محمود شكري بن عبد الله الآلوسي رحمهم الله تعالى، فقام بتهذيبه، وطباعته، عام: 1927م.
  • الموفق في التاريخ العربي.
  • نظرات فاحصة في قواعد رسم الكتابة العربية وضوابط اللغة وطريقة تدوين تاريخ الأدب العربي، وزارة الثقافة والاعلام العراقية – بغداد، عام: 1991م.
  • ديوانه الشعري:
  • ديوان محمد بهجة الأثريّ – رحمه الله -، طبعه المجمع العلمي العراقي: الجزء الأوّل عام: 1990م، والجزء الثاني، عام: 1996 م.
  • وطبع في مصر بعنوان ” ديوان ملاحم وأزهار ” الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974م يبلغ حوالي: 405  صفحة .
  • المخطوطات:

لقد جمع مكتبة عامرة حافلة تعد اليوم من أكبر مكتبات بغداد تحوي الكثير من المخطوطات العلمية والأدبية لم تطبع بعد، وقد زادت عدد على الثلاثين كتابًا مخطوطًا ومئات الأبحاث المنشورة في أمهات المجلات العلميّة.

  • التحقيق:

له تحقيقات لعدد من كتب التراث المهمة منها:

  • أدب الكتــّاب تأليف الوزير أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، حققه وعلّق عليه ونشرته المطبعة السلفية (عام: 1922م).
  • أم الرجز للعجلي.
  • البحث وبيان حقيقته ونبذة عن قواعده، محمود شكري الآلوسي، شرح وتحقيق، المجمع العلمي العراقيّ، عام: 1989م.
  • بلوغ الأرب في أحوال العرب للآلوسي.
  • تاريخ مدينة دمشق، تحقيق، المجمع العلمي العراقي، المجلد: 31، ج: 1، عام: 1980م.
  • تاريخ نجد، تأليف محمود شكري الآلوسي، تحقيق: محمد بهجة الأثريّ – رحمه الله -، الذي صدر بطبعات عديدة وكانت له أصداء واسعة.
  • تفسير أرجوزة أبي نواس في تقريظ الفضل بن الربيع وزير الرشيد والأمين، لابن جني، (تحقيق) الشرح ـ مجمع اللغة العربية، دمشق، عام: 1980م .
  • خريدة القصر وجريدة العصر، تأليف عماد الدين الكاتب الأصفهاني (تحقيق وشرح قسم شعراء العراق)، بغداد، عام: 1976م، وبه منح جائزة الملك فيصل العالميّة للأدب العربي عام: 1406 هـ – 1986م، وكان قد رشحته رابطة العالم الإسلامي لنيل جائزة الملك فيصل العالمية عن هذا المؤلف فحاز عليها.
  • صورة الأرض للإدريسيّ.
  • عقوبات العرب في جاهليتها وحدود المعاصي التي يرتكبها بعضهم، الآلوسي (تحقيق وشرح) المجمع العلمي العراقي، مج: 35، ج: 2، عام: 1984مـ.
  • كتاب الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر.
  • كتاب النغم، يحيى بن علي بن يحيى المنج، تحقيق وتعليق: محمد بهجة الأثريّ – رحمه الله -، طبع: المجمع العلمي العراقيّ، عام: 1950 م.
  • مقدمة نزهة الأرواح وروضة الأفراح، لشمس لدين الشهرزوريّ، نشرت ضمن كتاب: نصوص فلسفية مهداة إلى الدكتور إبراهيم مدكور (عام: 1974م)([43]).
  • مناقب بغداد لابن الجوزيّ.

وله أيضًا مئات البحوث والدراسات والمقالات في أمهات المجلات العلمية والصحف، كما ترك عشرات القصائد المبعثرة هنا وهناك وغير المنشورة بسبب التقلبات السياسية التي كانت تحجر على قصائده علمًا أن العلامة الأثريّ – رحمه الله –  ذاق مرارة السجن ثلاثة سنوات بعد فشل ثورة آيار (عام: 1941م) بسبب قصيدة ثورية تهاجم الإنجليز ألقاها من مبنى الإذاعة بينما كانت الطائرات تحوم فوقه.

سابعًا: سعة علمه:

محمد بهجة الأثريّ – رحمه الله – علامة موسوعي المعرفة ومحقّق بارع ولغويّ راسخ ومؤرّخ ثقة، وأديب فائق وهو الداعية الصادق والشاعر العملاق، علم من أعلام العرب خصوصا والمسلمين عموما وعالم من علمائهم عاش قرابة القرن مجاهدا في سبيل دينه وعقيدته ولغة القرآن الكريم التي ظلّ منافحا عنها وخادما لها طوال حياته، فكان رحمه الله موسوعة علمية متكاملة، فهو يتقن إلى جانب اللغة العربية أربع لغات هي: التركية، والفارسية، والفرنسية، والإنجليزية، فعندما تجد في بداية القرن العشرين إنسانا يتقن خمس لغات تجده موسوعيا حقيقة وبجدارة، ولا عجب في ذلك فصفة الموسوعية لدى العلماء العرب المسلمين هي صفة متوارثة، فلا تكاد تجد عالما يقتصر على علم واحد، بل تجده يؤلف في النحو وفي الصرف، ويؤلف في الثقافة، وفي علوم الدين، من عقيدة وحديث وفقه وغيرها، فظاهرة الموسوعية هي ظاهرة متوارثة عن الأسلاف، لكنَّ العلامة محمد بهجة الأثري له في ذلك قصب السبق، والنصيب الأوفر؛ لأنه تميز بعلمه المتبحر في اللغة العربية لغة الإسلام الخالدة، كما عرف بتحقيقه الرصين وتوثيقه الأمين وإسناده الدقيق فيما حقق من كتب اللغة والأدب والتأريخ، والشريعة وغيرها، فعرف بولعه الشديد بالعلم ودراسته المعمقة للتراث العربي الإسلاميّ، فمضى في بداية الأربعينيّات من القرن الهجريّ الرابع عشر – العشرينيّات من القرن المسيحيّ العشرين يكتب الفصول الأدبية في الصحف، واشتبك في صدر شبابه مع الشاعر جميل صدقي الزهاويّ والشاعر معروف الرصافيّ.

ثامنا: الوظائف والمناصب العلميّة والوظيفيّة:

شغل العلامة الأثريّ – رحمه الله –  في مطلع حياته مناصب تدريسيّة وعلمية متعددة، ثمّ شغل عددا من الوظائف:

  • انتخب نائبًا ثانيا لأمين المجمع العلميّ العراقي منذ تأسيسه عام: 1367 هـ – 1947م، ثمّ نائبًا أوّلا له من عام: 1375 هـ – 1955م إلى عام: 1383 هـ – 1963م، شارك في وضع جميع المصطلحات العلمية والفنية والحضارية التي انصرف المجمع إلى الاشتغال بها إلى سنة 1963م، وهس سنة إحالته على التقاعد.
  • عضوًا عاملًا في المجمع الموحد عام: 1399 هـ – 1979م.
  • انتدب للتدريس في المدارس الثانوية منذ ريعان شبابه وذلك في عام: 1343 هـ – 1924م ([44])، فدرس العربية والأدب بثانوية التفيض لسنة واحدة من عام 1924 إلى عام 195م، ثم عُيِّن مدرسًا للعربية والأخلاق في الثانوية المركزية ببغداد لمدة عشرة أعوام، وكان له الأثر الكبير في رسم مستقبل العراق؛ لأن أغلب الطلاب الذين درسهم تقلدوا مناصب في الدولة، وكان من أهمهم عبدالكريم قاسم الرئيس العراقي منذ عام: 1958 إلى عام: 1963م، وعبدالوهاب مرجان، وكان عبدالكريم قاسم يجل العلامة الأثري كثيرا عرفانا بفضل فهو معلمه، وقد قدمه إلى المغفور له محمد الخامس ملك المغرب الشقيق لما زار بغداد، وقال عبدالكريم قاسم مقدما العلامة محمد بهجة الأثري: هذا أستاذي، من علمك حرفا ملكك حرا. ولم يل عبدا.
  • تولى رئاسة تحرير مجلة (البدائع الأسبوعية) وجعلها ميدان جهاده الاجتماعي والأدبي، ونشر فيها ما كتبه السلف في الأدب واللغة والتاريخ.
  • عهد إليه منصب مدير أوقاف بغداد في عام: 1355 هـ – 1936م ([45])، ولم تكن هناك وزارة للأوقاف آنذاك وكانت أوقاف بغداد بمقام وزارة.
  • بعدها عين مفتشًا في وزارة المعارف، وبعد انضمامه لثورة عام 1941م، فصل من الوظيفة، واعتقل ثم توسط له الشيخ محمد رضا الشبيبيّ بعد اعتقاله وأعيد إلى الوظيفة بعنوان مفتش.
  • عين عضوًا في لجنة التأليف والترجمة والنشر في وزارة المعارف العراقيّة (تعرف الآن بوزارة التربية)، وقد كان الشيخ محمد رضا الشبيبي هو الساعي من أجل إعادة تعيينه كما تقدم وذلك عام: 1366 هـ – 1947م ([46]).
  • عهد إليه تدريس مادة الأدب وفلسفة الأخلاق في كلية الشرطة.
  • عضوا في مجلس شورى الأوقاف.
  • انتخب نائبًا لرئيس المجمع العلمي العراقي في عام : 1369 – 1949م([47]).
  • عيِّن نائبًا أول لرئيس المجمع العلمي العراقي من سنة : 1375 – 1955م إلى: 1383 – 1963م ([48]).
  • عُيِّن عضوا عاملا في المجمع الموحد عام : 1399 – 1979م ([49]).
  • أسس عددًا من الجمعيات منها جمعية الشبان المسلمين، وأحد مؤسسي جمعية المنسوجات الوطنية عام: 1349 – 1930م ([50]).
  • عضو مؤازر في المجمع العلميّ العربيّ في دمشق، وكان ذلك بدعوة من العلامة محمد كرد علي، وكان سن العلامة الأثريّ – رحمه الله – يومئذٍ دون السن القانونية المشروطة في قانونه لهذه العضوية.
  • عضو مراسل في مجمع فؤاد الأوّل للغة العربيّة بمصر حتى عام: 1947م.
  • انتخب عضوًا في مجمع اللغة العربية في الأردنّ فكانت له إسهاماته البارزة في التأليف، وفي المؤتمرات العلمية العربية، وفي المجامع اللغوية.
  • عضو في المجلس الاستشاري الأعلى بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، اختاره لهذا المنصب مؤسس الجامعة ورئيسها الفخري الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود عام: (1381 هـ – 1961م) وظل فيه مدّة سبعة عشرة عامًا إلى أن تغير نظام الجامعة عام: 1395 هـ الموافق عام: 1975م.
  • منذ عام: 1371 هـ- 1951مـ كان يدعى إلى المؤتمرات العربية والعالمية في أنحاء مختلفة من العالم ([51]).
  • قام بتدريس الأدب والأخلاق في كلية الشرطة إلى جانب أعماله الأخرى وكان ذلك عام: 1372 – 1952م ([52]).
  • عين مديرًا عامًا للأوقاف في عام: 1378 هـ – 1958م إلى عام: 1383 هـ – 1963م ([53])، فكانت له أعمال مشهورة في تعمير المساجد، وإخلاء بعضها من القبور، وإدخال القبور في المساجد بدعة راجت كثيرا في العهد التركي، فلا تكاد تجد مسجدا يخلو من قبر في عهد الاحتلال التركي.
  • عضو في لجنة ” من أين لك هذا ؟” وهي لجنة تشكلت في عهد عبدالكريم قاسم لمحاسبة رجال عهد الملكي من رؤساء وزراء ورؤساء مجلس الأعيان، ورؤساء مجلس النواب، وكبار الموظفين.
  • في عام 1963م أحيل على التقاعد وانصرف إلى البحث والتأليف.
  • عضو مشارك في أكاديمية المملكة المغربية عام: 1977م.

تاسعا: الجوائز والتكريم:

لقد نال العلامة الأثريّ – رحمه الله –  أوسمة وجوائز كثيرة من دولته العراق في عهديه الملكيّ والجمهوريّ، كما نال أوسمة وجوائز أخرى من دول عربيّة عدّة، سأذكر فيما يأتي ما تسنّى لي معرفته منها:

  • وسام الرافدين من بلده العراق في العهد الملكي.
  • وسام العرش من ملك المغرب محمد الخامس، قلّده إياه سفيرة المملكة المغربية ببغداد في حفلة خاصة.
  • وسام أكاديمية المملكة المغربية، قلده إياه ملك المغرب الحسن الثاني في قصره بالرباط.
  • وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى: قلده إياه سفير الجمهورية العربية السورية ببغداد في احتفالٍ فخم.
  • وسام المعارف من الحكومة اللبنانية.
  • جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي، مع وسام رفيع، وذلك عن تحقيقه كتاب “خريدة القصر وجريدة العصر” قسم شعراء العراق) وقد رشحته رابطة العالم الإسلامي لنيل جائزة الملك فيصل العالمية عن هذا المؤلف فحاز عليها عام: 1406 هـ – 1986م).
  • جائزة الرئيس صدام للإنتاج الأدبي الموسوعي مع وسام رفيع، وذلك في مهرجان المربد ببغداد عام: 1989م.
  • جائزة الكوفة للخط العربي من وزارة الثقافة والإعلام العراقية.
  • و 10 – وسام المؤرخ العربيّ، من اتّحاد المؤرّخين العرب (مرّتين).

خاتمة:

في الختام أود أن أسجل بعض النتائج التي خرج بها هذا المبحث:

  • العلامة الأثري رحمه الله مشروع إصلاح ديني واجتماعي، وعلمي، ونهضة بالفرد، والشعب والأمة للوصول إلى سالف العهد من العز، والبهاء والتمكين.
  • ركز منهج الإصلاح عند العلامة الأثري رحمه الله على تحرير العقل من ظلمات الجهل، والشرك والخرافة والبدعة، وتحرير الإنسان من التضليل والتجهيل والاستعمار، واعتماد العلم الصحيح، والعقل السديد.
  • إن حاجة البلاد اليوم إلى إصلاح حقيقي، وهذا الإصلاح لا يتأتى من الخيال، ولا من الفراغ، بل من جهود، علماء استثمروا حياتهم بالعلم والعمل، وقطعوا أشواطا كبيرة جدا في الإصلاح، ومنهم العلامة محمد بهجة الأثري، وشيخه العلامة الإمام محمود شكري الآلوسي رحمهما الله، فينبغي لطالبي الإصلاح اليوم أن يسيروا على خطاهم، ويعرفوا منهجهم، وسيرتهم، ومنجزاتهم، لتكون لهم مثالا يحتذى في مسيرة الإصلاح.

رحم الله العلامة محمد بهجة الأثري، وكثر الله في الأمة رجالًا أمثاله.

الهوامش:

([1]) مصادر ترجمته:

  • ترجمة الأثري بقلمه، المجمع العلمي العراقي.
  • كتاب البغداديون أخبارهم ومجالسهم، تأليف إبراهيم عبد الغني الدروبي، مطبعة الرابطة، بغداد، 1958م، ص250.
  • الأستاذ محمد بهجة الأثريّ، د. يوسف عزّ الدين، مجلة المجمع العلمي العراقيّ، المجلد السابع والأربعون، الجزء الثالث، عام: 1421هـ – 2000م.
  • مجلة المورد، عدد خاص عن العلامة محمد بهجة الأثري.
  • محمد بهجة الأثري باحث تراثي عراقي رائد، عبد الأمير المؤمن، بحث منشور في الشابكة.
  • تقرير وثائقي عنه بعنوان: “راهب اللغة”، قناة الشرقية الفضائية.
  • تقرير وثائقي عنه بعنوان: “محمد بهجة الأثري” في جزأين، قناة عين على التراث الإلكترونية.

([2]) ينظر: محمد بهجة الأثري باحث تراثي عراقي رائد، عبد الأمير المؤمن، بحث منشور على الشابكة.

([3]) ينظر: إتحاف الأمجاد فيما يصح به الاستشهاد، محمود شكري الآلوسي، تحقيق عدنان الدوري: 16، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1402 – 1982م.

([4]) ديوان ملاحم وأزهار: 387.

([5]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([6]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([7]) ديوان ملاحم وأزهار: 384 – 385.

([8]) ديوان ملاحم وأزهار: 387.

([9]) ينظر: ديوان ملاحم وأزهار: 387.

([10]) ترجمة الأستاذ محمد بهجة الأثري: 4 .

([11]) تنبيه: هذه العبارة غير موجودة في الكتاب اليوم، فلعله تم تصحيحها، أو حذفها. فالحمد لله الذي أذهب عن كثير من المسلمين عُبِّيَّة التعصب. ونسأله أن يذهبها عن جميع المسلمين.

([12]) ينظر: مجلة المورد- عدد خاص عن العلامة الأثري: المجلد الرابع والعشرون- العدد الثاني، عام: 1417 هـ– 1996 مـ: 16 .

([13]) ديوانه: 76 .

([14]) ديوانه: 74 – 75 .

([15]) ديوانه: 75 – 76.

([16]) ديوانه: 227.

([17]) معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة : 2000 مـ، كامل الجبوري : 5 / 173 .

([18]) ينظر: ديوان الأثري: 2 / 113 .

([19]) ينظر: محمد بهجة الأثري باحث تراثي عراقي رائد.

([20]) هو جمال الدين أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بهاء الدين بن أبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الآلوسي البغدادي، من سادات آل البيت، ولد في رمضان 1273هـ، وجده صاحب التفسير الشهير “روح المعاني”، تأثر بمؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وإلى ذلك أشار كامل الرافعي بقوله: (لم أرَ أحدًا يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرهما مثلهما) أي محمود شكري وابن عمه علي الآلوسي.

([21]) هو علي علاء الدين بن الإمام نعمان خير الدين بن الإمام محمود أبي الثناء الآلوسي، ولد في : 6  شعبان 1277، وهو مؤرخ، نحوي، ناظم، تتلمذ على أبيه وابن عمه السيد محمود شكري، ثم درس على إسماعيل الموصلي، وتخرج بمدرسة القضاة بالقسطنطينية، وولي القضاء في عدة مدن في العراق وخارجه، وأرسله أبوه إلى ملك بهوبال صديق حسن خان، لطبع كتبه وكتب جده أبي الثناء، ثم ولي التدريس بمدرسة مرجان بعد وفاة والده، ثم في جامع الشيخ صندل، وتخرج به كثيرون، توفي ببغداد رحمه الله تعالى ليلة السبت: 8 جمادى الأولى 1340، بمرض الفالج.

ينظر: الدر المنتثر في رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر، الحاج علي علاء الدين بن نعمان خير الدين الآلوسي : 49، نقلًا عن: إتحاف الأمجاد : 14 – 15، ومعجم المؤلفين: 7/ 254.

([22]) ينظر: محمد بهجة الأثري باحث تراثي عراقي رائد.

([23]) مجلة المورد، عدد خاص عن العلامة الأثري: 1 .

([24]) ديوانه: 70.

([25]) ديوانه: 78.

([26]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([27]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([28]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([29]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([30]) الأوصاب: الأوجاع والأمراض. ينظر: ديوان ملاحم وأزهار: 405 .

([31]) يزع: يكف ويمنع. ينظر: المصدر نفسه: 405 .

([32]) الداب: الدأب وهو العادة، سهلت همزته. ينظر: المصدر نفسه: 406 .

([33]) حبوت: أعطيت. ينظر: المصدر نفسه: 406 .

([34]) الملاب: نوع من الطيب. ينظر: المصدر نفسه: 406 .

([35]) أعلام العراق : 208، وينظر: إتحاف الأمجاد فيما يصح به الاستشهاد: 30 .

([36])  أعلام العراق، محمد بهجة الأثريّ : 226-229 .

([37]) أعلام العراق، محمد بهجة الأثري : 189 – 190 .

([38]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([39]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([40]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة .

([41]) من تقرير وثائقي أعدته قناة الشرقية، بعنوان: راهب اللغة.

([42]) ينظر: نظرات فاحصة: .

([43]) معجم المؤلفين والكتاب العراقيين، صباح الزوك : 7 / 109-112، وكتاب معجم المؤلفين العراقيين، كوركيس عواد : 3 / 114 – 116، ومعجم الأدباء للجبوري : 5 / 173  .

([44]) محمد بهجة الأثري، بحث منشور على الشابكة، موقع شبكة الفلق الثقافية: www.alfalaq.com

([45]) المصدر نفسه.

([46]) المصدر نفسه.

([47]) المصدر نفسه.

([48]) المصدر نفسه.

([49]) المصدر نفسه.

([50]) ينظر: ديوان محمد بهجة الأثريّ: 1 / 357 .

([51]) موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين، حميد المطبعي : 1 / 182 .

([52]) ينظر: محمد بهجة الأثري، بحث منشور على الشابكة، موقع شبكة الفلق الثقافية: www.alfalaq.com

([53]) المصدر نفسه.

اقرأ أيضًا:

الأثري وأعلام عصره

المؤرخ المحقق والأديب المدقق

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى