العدد الرابعمقالات

ذكريات مع الدكتور عماد عبد السلام رؤوف

 (6)

ذكريات مع الدكتور عماد عبد السلام رؤوف

د. أنمار نزار الحديثي

ذكريات مع الدكتور عماد عبد السلام رؤوف
ذكريات مع الدكتور عماد عبد السلام رؤوف

كنتُ صغيرًا لا يتجاوز عمري العشر سنين، دخل إلى بيتنا مع والدي -الدكتور نزار الحديثي- شخصٌ وقورٌ هادئ، كان طويلًا، وجهه أحمر من شدة خجله، وهو أبيض الوجه، جميل الشكل، أخلاقه عالية، عرّفنا والدي به وتعارفنا في حديقة منزلنا التي أدهشته، فهو كان ذواقًا يحب الطبيعة، وجلسنا فيها حيث كان الجو جميلًا، إنه العم العزيز عماد عبدالسلام رؤوف، وبالتأكيد لم أستغرب كونه دكتوراه في اختصاص في التاريخ، باعتبار أنه حقل اختصاص والدي الدكتور نزار الحديثي، لكن لصغري لم أكن أركّز في حقل الاختصاص.

تكرّرت الزيارات العائلية، وتطورت علاقة الصداقة أكثر بيننا وبينه، وأتذكر أنه تزوج حديثًا، فما زلت أتذكر كيف أصبحت العلاقة العائلية أكثر متانة، وبدأنا نخرج في سفرات في بغداد وبعض المناطق الأثرية، بحكم أنها مهمة وتصب في حقل اختصاصهم، حتى ذكر لوالدى أنه يريد أن يزور منطقة حديثة مسقط رأس الوالد، لشوقه إلى طبيعتها الساحرة والتي لا ينفك الوالد عن ذكرها في كل مناسبة، وفعلًا ذهبنا إلى هناك، وأتذكر سعادتي بهذه الرحلة لسببين، الأول: حبي لمدينة حديثة، وثانيًا: لأن العم عماد رحمه الله وزوجته سيرافقونا في هذه الرحلة، وفعلًا ذهبنا إلى هناك، وعلى الرغم من كوني صغيرًا لا أتذكر تفاصيل الرحلة بشكل جيد، لكن لن أنسى هواية جديدة اكتشفتها في العم الدكتور عماد المختص في التاريخ، وهي هواية الرسم.

والحقيقة إن مثل هذه الهواية تدل على مدى الخيال الواسع والرفة والذوق، فهو من أسمى الفنون، ودلالتي على هذه الصفات أن العم عماد صغّر في ذاكرته الشيخ حديد وهو ضريح مشهور بين أبناء المنطقة، وعندما رجعنا كان قد رسمه بريشة الفنان المبدع، كان قد رسم مشهدًا متجانسًا لهذا الضريح وسط الهضبة التي بني عليها والألوان الجميلة لطبيعة حديثة مع سمائها الصافية، وأهدى لوالدي هذه اللوحة، والتي عُلقت في جدران بيتنا، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من جدار الممر وسط البيت.

تمر السنين ويمر العراق بظروف أبعدت العائلات والصداقات لأسباب عديدة، وكبرت وأصبحت طالبًا في الجامعة مختصًا في حقل التاريخ، كي يتجدد لقائي بالعم عماد بعد فراق طويل لكن بالتأكيد ليس مع الوالد فهم كانوا دائمي اللقاء بسبب حقل الاختصاص، لتصبح علاقتي به من نوع آخر، فهو أصبح بروفسور في حقل اختصاصه وعالـمًا في عدة مجالات في التاريخ، حيث اهتم بالعمارة الإسلامية، وفي تفاصيلها، وأصبح يكتب سيرًا ذاتية أبدع في ميدانها وتميز، وجامعًا لمخطوطات، ومحققًا لها، فأصبح موسوعيًا في مجالات عدة، وبدأت لقاءاتي به تأخذ منحًى آخر، كونه العم، إضافة إلى العالم الذي أنظر إليه بعين الباحث الذي يستأنس بآراء العم والصديق والأستاذ والعالم.

لقد أتيح لي أن أتشرب من علمه الغزير بعد تسلم والدي منصب نائب المجمع العلمي العراقي، إضافة إلى مناصبه الأخرى، وبوساطة العلاقة والصداقة بين أبي والعم عماد أصبح المجمع العلمي منارًا ومنصة لعلم هذا الشخص الوقور الورع، وفي هذه الحقبة كان وما زالت حمرة وجهه الجميلة والتي تعبر عن وقاره ودماثة أخلاقه، لكن بشعر أشيل هذه المرة أضاف إلى شكله مهابة جميلة، وضحكته الخلوقة المليئة بالحنان الذي لن أنساه ما حييت.

لقد تفاجأت بنبأ وفاته وأحزنني فقدانه، وحتى والدي البعيد عني بسبب ظروف العراق حاليًا نعى ذلك الأخ والصديق بوصف يدلل على الحزن والاستغراب لرحيل مثل هذه القامة العلمية الذي ترك فراغًا كبير في حقل اختصاصه، وخطفه الموت على حين غرة.

رحم الله العم الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، وأسكنه الله فسيح جناته، ولأهله وذويه ومحبيه وطلابه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

اقرأ أيضًا:

المؤرخ المحقق والأديب المدقق

المؤرخ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى