معيار الصبر

هل أنتَ صبور؟ هل أنتِ صبورة؟ إليكما معيار الصّبر الحقيقيّ.

لقد أنعم الله تعالى علينا بِسِمَة الصّبر.. وليس سهلًا أن نملك هذه الصّفة!

ولا يرتبطُ الصّبر بالمصيبة فقط! بل إنّ المتتبع لوروده في القرآن الكريم، فسيجد أنه ارتبط بالعلاقات مع البشر أكثر من ارتباطه بالمصيبة؛ وقد ورد (103) مرة.. ولأن الصّبر فعلٌ، فقد غلب الفعل “اصبروا” فيها على الاسم “الصبر”، ولأن الرّجل مطلوب منه الصّبر أكثر من المرأة، فقد غلب جمع المذكر “الصّابرين” على المؤنث “الصّابرات”، ولأنّ الصّبر صعبٌ، فقد قلّ وروده مبالغًا به “صبّار”!

وسأقفز عمّا تعرفونه من أنّ حكم الصّبر واجب، وأنّه نصف الإيمان، وأنه قد خرج من معناه المباشر (حبس النفس وتحمّل المصائب) غير مرة، من ذلك خروجه إلى معنى الصّوم {واستعينوا بالصبر والصلاة}، والجرأة {فما أصبرهم على النار}، والرّضا {واصبر على ما أصابك}، والثّبات {امشوا واصبروا على آلهتكم}.. وسأواجه نفسي قبل أن أواجهكم بحقيقة الصّبر؟ وهل هو صفة ملازمة للحياة؟ أم قد يُستغنَى عنها؟

تُثبِتُ الحياة يومًا بعد يوم أنّ الصّبر من الصّفات الملازمة للحياة! وأنه عنوان للإنسان الكامل والمثاليّ، وللقوة، والعكس صحيح، أي أن الذي لا يصبر هو إنسان ضعيف {اصبروا وصابروا}، والإنسان ممتحن بكل ما أعطاه الله تعالى إيّاه، وأصعب معادلة حياتية هي {فاصبر صبرًا جميلا}! أي اصبر، واعفُ، ولا تطلب المكافأة من أحد! وأصعب من ذلك ارتباطه بالإحسان إلى الآخَرين {واصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المُحسنين}.

أما أغربُ الصّبر فهو الصّبر على الطّاعة الملازمة للحياة أيضًا {فاعبده واصطبر لعبادته}، ولا يظننّ ظانّ أنّ العبادة مرتبطة بالمظاهر فقط، بل بأسباب الحياة كلّها.. ولن أفصّل؛ فكلّنا له في حياته قصّة صبر!

وتجتمع الغرابة مع الصّعوبة في صبر الطّاعات؛ لأنّه ما أن تصبر حتى تهطل عليك الأسئلة عن السبب في صبرك، فإن لم يكن من النّاس، فمن نفسك! خصوصًا وأن الصّبر يفرض عليك أن تُسامح من أساء إليك!

فعليك بالصّبر؛ احبسه، مثلما يحبسك، ولا تتنازل عنه، مهما تُقدَّم لك من مغريات.. ولن يكون ذاك سهلًا، إلا إذا حبستَ نفسك عن الحياة والنّاس.. الأمر الذي يتنافَى مع الطّاعات التي تُلزمكَ مخالطة النّاس.. لذلك عَظُمَ أجرُ الصّابرين، وخرج عن دائرة الحِساب {إنّي جزيتهم اليوم بما صبروا أنّهم هم الفائزون}!

ولك في قصص صبر الأنبياء -عليهم السلام- أسوة، والتصقت صفة الصّبر بالنّبيّ أيوب -عليه السّلام- {إنا وجدناهُ صابرًا}.

وللصّبر شروط ثلاثة: الإخلاص لله تعالى {ولربّك فاصبر}، وأنْ يكون في وقته المناسب “إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى”، وعدم الشّكوى للنّاس {واصبر وما صبرك إلا لله}.

وختامًا..

فمن المعينات على الصّبر: الثقة بالله تعالى والتوكّل عليه فعلا.. لا قولا وكتابةً، {الذين صبروا وعلى ربهم يتوّكلون}، ومعرفة طبيعة الحياة والنّاس.. فمهما اختلف الناس، واختلفت أشكالهم، فإنّ محددات حياتهم، ومتطلباتهم واحدة، وأمّا المختلِف فهو الوسيلة التي نحيا بها، ونحقّق من خلالها متطلّبات حياتنا.. ولا علاقة للصّبر بالتّطوّر الحياتيّ، فمهما تلوّنت حياتنا.. فستبقى سمة الصّبر هي هي، ولها أسبابها ومسبباتها.

                                                                                                                                   أ.د. عماد علي الخطيب

اقرأ أيضًا:

الشعر في صدر الإسلام وأثره في الدعوة

العلامة الأثري ذكرى وبشرى