مقومات التعليم.. الطالب والمعلم والمنهاج
مقدمة:
لا تستقيم العملية التعليمية إن لم تأخذ هذه المقومات الثلاثة حقها من الاهتمام المطلوب من كل الجهات المسؤولة عنها، بدءًا من وزارة التربية وانتهاءً بالطالب مرورًا بالأهل والمعلم.. وإذا ما أحسنّا التعامل معها فإننا نكون قد أسهمنا في بناء جيل علمي متماسك وقوي.
١ – الطالب:
هو التربة التي تكون مهيأة للزراعة، منذ أن يبدأ الطفل اللفظ والنطق والكلام، أي أن الاهتمام يجب أن يبدأ من الأسرة، ممّن يهتم بالطفل وغالبًا ما تكون الأم هي الأصل في تنشئته، لأنها على اتصالٍ مباشر معه في الطعام والشراب واللباس، ولذلك تكون المهمّة على عاتقها كبيرة، وهنا يختلف المستوى العلمي بين أمٍّ وأخرى تبَعًا للشهادة التي تحملها، وتلي مرحلة الأم مرحلة الروضة إن وُضع الطفل فيها أو المرحلة الابتدائية في المدارس الرسمية، ولا شك أن هناك فوارقَ كبيرة بين المدرستين الخاصة والعامة.. من حيث الاهتمام والتعليم ولاسيما في المرحلة التي تهيئ الطالب للصف الأول إذ إن اعتماد المدارس الخاصة مناهج أجنبية متميزة تجعله يتفوق على طالب المدرسة الرسمية الذي يُحرَم من هذا النوع من التعليم كما حُرِم من الألعاب وما يتصل بها من وسائل تعليمية تحفز وتنشط العقل والذاكرة والتفكير..
المعروف أن البناء القوي يقوم على أساس قوي متين، فالطالب الذي أُسِّس على مناهج جيدة يفترض أن يستمر إلا إذا عاقته عوائق أو شغلته مشاغل أو أصابته أمور أوقفته عن السير أو متابعة ما بدأ به، من هذه العوائق الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، وتظهر هذه الحالة بدءًا من المرحلة الإعدادية، وتزداد في الثانوية.. فالجامعية.
٢ – المعلم/المدرس:
كثيرون يعتبرون أن المعلم/المدرس هو الأصل في العملية التعليمية، وقد يكون هذا صحيحًا، لأنه صلة الوصل بين الطالب والمنهاج، ويقع عليه عبء كبير يتابع فيه ما بدأت به الأسرة الأم أو الأب..
ولمَّا كان المعلم هو الأساس في العملية التعليمية كان الواجب أن يُهيّأ له كل ما يجعله قادرًا على أداء المهمة، وفي مقدمتها العلم الذي يجب أن يحمله، وهذا يقع على عاتقه، لأنه هو من اختار هذه الطريق، فما من شهادة حتى الدكتوراه تجعل شخصًا معلمًا، فالشهادة مثل جواز السفر، تسمح لك بالعبور من مرحلة التعلُّم إلى مرحلة التعليم، وما يحصله الطالب عند تخرجه في الجامعة لا يعادل جزءًا بسيطًا ممّا يجب أن يحمله وأنا أعطي مثالًا بحسب اختصاصي، فما يحصل عليه طالب قسم اللغة العربية في الجامعة لا يتجاوز ٢٠% عشرين بالمئة مما يجب أن يملكه المعلم من المعرفة..
ولكن الكثيرين يتوقف جهدهم عند الشهادة مع قليل من المعلومات التي تناسب المناهج التعليمية فيكون قد كبَّل نفسه بمنهاج لا يجرؤ على أن يتجاوزه بحرف أو لا يجرؤ أن يجيب عن سؤال واحد من خارج المنهاج الذي يدرسه، وهذا عاينته عند كثيرين لا يُدرّسون إلا الشهادات وخاصة البكالوريا.. فيحفظون المنهاج عن ظهر قلب (بصم)، وربما حفظوا أرقام الصفحات فتباهوا أمام طلابهم الذين جعلوا كل واحد منهم سيبويه زمانه وشكسبير زمانه وخوارزمي زمانه وأينشتاني زمانه..
لذلك لا يفضل هؤلاء تعديل المناهج، كيلا يتعبوا بتحضير منهاج جديد..!
إن المدرس الناجح هو الذي يدرِّس طالبًا كسولًا ويصنع منه مجتهدًا، ومثله المدارس التي تفاخر بطلابها الذين هم في الأصل متميزون ويعملون معهم مع (عدة النصب) ليزيدوا إلى معلوماتهم ما يعادل علامتين.. فقط، والدليل أن تلك المدارس لا تحجز لطلابها تذاكر التفوّق الأولى.
٣ – المنهاج:
٣-١
ما من منهاج يُرضي الطالب والمدرس والأهل والمجتمع، وهذا طبيعي، وقد تكون نسبة التفاوت في الإعجاب كبيرة بين مادة ومادة، من حيث حجم المادة العلمية ومن حيث طريقة تقديم هذه المادة، فالمادة العلمية في المواد العلمية لا تتغير كثيرًا مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات والعلوم الحية..لكنَّ طريقة تقديم هذه المواد لا تروق للبعض، ونحن نعاني منذ زمنٍ بعيدٍ من كثافة مادة العلوم حتى صارت المادة الأصعب في البكالوريا وتقدمت كثيرًا على الرياضيات.. مِن هنا تصعب طريقة تقديم المادة للطالب من قِبل المدرس.. وتحتاج من المدرس فنًا مميزًا لإيصالها إلى الطالب..
أمَّا مواد العلوم الإنسانية (اللغات والتاريخ والجغرافية والفلسفة)، فهي الأصعب من حيث التأليف، لأنها تحتاج أسلوبًا أدبيًا والأسلوب الأدبي أصعب من العلمي القائم على الدقّة في الإجابة (١ + ١ = ٢) لذلك يضمن الطالب أن ينال العلامة التامّة في هذه المواد..
٣-٢
نحن في سورية عدّلنا المناهج كثيرًا تحت عنوان تطوير المناهج..لا أعرض هنا ما أسمعه عن المواد كلها؛ لأنني غير مختص، ولكن سأخصص كلامي بما اطلعتُ عليه وقرأته باختصاصي أقصد اللغة العربية..
كثيرًا ما نشرت أشياء تتصل بالمنهاج للتصويب والتصحيح والتعديل، بعد أن كنتُ قدمت ملاحظاتي للمؤلفين والمقوِّمين تطوُّعًا لِما فيه مصلحة المنهاج التي ستنتقل إلى الطالب والمعلم، ولكن لم يأخذوا بها كلها؛ ولما كنت متأكدًا من صحة معلوماتي كنت أكتب على مسؤوليتي، وكنت أقول دائمًا: هذا رأيي ولا ألزم به أحدًا، ولا أُريد أن أعيد ما نشرته من قبل، ولكن كتبت هذا نموذجًا عمّا يجب أن يكون في مناهجنا. وهذا يتطلب من الآخرين كلٌّ بحسب اختصاصه، لتكون مناهجنا صحيحة علمية، فيخفّ اللوم وتخفّ الشكوى من الحجم وربما من الأسلوب.
٣-٣
إن مناهج اللغة العربية في المراحل كلها ولا سيما المرحلة الثانوية بحاجة إلى إعادة بناء، تكون متسلسلة ولاسيما في القواعد النحوية والصرفية، فمن ينظر في المرحلة الإعدادية يكتشف التفاوت بين ما ورد في التاسع وما ورد في الصفين السابقين إذ لا يعقل هذا الحشد من دروس النحو في التاسع (ومعه النصوص الشعرية) حتى ليشعر الإنسان أنه الأساس.
إننا بحاجة تأليف تقوم على عملية نفض كل ما فيها..وتوزيع الدروس على الوحدات على نحو علمي ومنطقي..ولاسيما النحو فمن يطلع على المادة يكتشف أنها لا تفي بالغرض ولا تُفيد الطالب في الكتابة ولاسيما ما أثبت في كتاب البكالوريا.
٣-٤
إن المناهج المريحة يجب أن تتوافر فيها شروط كثيرة، أهمها:
– الأسلوب السهل الذي يجب أن يعتمد سلامةَ اللغة في كل المواد، ولا يكفي المدقق اللغوي لتكون لغة الكتاب سهلة.
– يجب ان يُؤخذ في الحُسبان أن فئة كبيرة من المجتمع لا قدرة لها على الدرس الخاص؛ لذلك يُفترض أن تُقدم المناهج فيقرؤها كل فرد في المجتمع ويفهمها، يُضاف إلى هذا أن فئة من الطلاب يتقدمون إلى الشهادات أحرارًا..وهؤلاء في معظمهم فقراء..
– الابتعاد عن التبذير اللغوي والإسراف في الكلام الذي يحذف أول ما يحذف من المدرس فيفرح الطالب والأهل..!
خاتمة:
هذه عناوين على الرغم من طولها.. ونحن بحاجة إلى تكامل جهود كل من له علاقة بالعملية التعليمية، لا تقوم على الانتقاء بحسب الأهواء الشخصية أي الواسطة، ولاسيما في التأليف والتقويم.
3 تعليقات