في حزنها سمو
في حزنها سمو
قصة: صفا عاطف
أصْبحتُ قاصّةً دونَ أنْ أعلَم، ولا أدري إنْ كان الفضل لها! ولكن ليتني لم أصبح كذلك!
انْقلبتْ حياة عائلتي بأجْمعِها فجأة يومَ تغيَّر حالُها.. لم يُعجبني دور المتفرِّج، ولكن ماذا عسايَ أفعل؟!
كانت زيارات الأقارب والأصدقاء لا تنقطع عن بيتنا، لبشاشة والِدَيّ وحبِّهما العلاقات الاجتماعية..
والدِي مهندِس، ووالدتي معلِّمة؛ لدَيّ أربعة إخوة، وأخت واحدة هي أكبرُنا.. علاقة والِدَيّ مبهرة وجميلة، كلاهما أصدقاء لنا لا نفضّل أحدهما على الآخَر.
تخرّجتْ مُنَى في الجامعة ولم ينفكّ المتقدّمون لخطبتها عن التقدّم لطلب يدها للزواج، فهم كذلك منذ بلوغها.. كانت جميلة، وفوق جمالها خفة دمها، وحبها للناس، وعلاقاتها التي تعدّت علاقات والِدَيّ، والابتسامة التي لا تفارقها إلا قليلًا.. ولكن يبدو أنّ نصيبها لم يحن بعْد.
انتقلَ للسكن إلى جوارنا أقارب والِدي، وقام بدعوتهم بعد سكنهم بأيام قليلة، كانت جلسة جميلة وحضورهم خفيف الظلّ.
توالت الزيارات وتوطّدت العلاقة أكثر، حتى تقدّمت الخالة سلمى لتطلب يد أختي منى لابْنها يوسف.. علمْتُ منذ وقتها أن منى ستوافق، لملاحظتي نظرات يوسف ومنى المتبادلة، كانا متقاربينِ في السنّ حيث كان يكبرها بسنة واحدة.
تمّ الزواج بعد سنة من الخطوبة، إلى حين اكتمال شقّتهما، وبقيّة التجهيزات؛ خلال هذه المدَّةِ تلألأ حبّهما أمام الجميع، ورأينا عيونهما التي كانت تلمع فرحًا، ولمسنا توافقهما الذي لم يكن متوقَّعًا على هذا النحو.
كانت منى تتخيّل يومَ الزفاف طوال الوقت، تصفه ويدَيها تتراقصان، وكان يوسف يزورها كلّ يوم في فترة الخطوبة، وأغلب الأيام يصطحبها خارج المنزل فتعود تكاد تحلّق من السعادة.
جاءت ليلةُ الزفاف وكانت أجمل ما شهدتُ من الحفلات في حياتي، كان جميع الحاضرين سعداء، أفرطنا في الرقص والضحك، حتى تفاجأنا بتعدّي الوقت منتصف الليل.
جلسنا في اليوم التالي نتكلّم ونَصِف الحفلة، وأمي تقول: كان الحضور فرحِين جدًا وأثنوا على كل شيء وسعداء بأنّهم شاركونا، حتى أنهم مِثلنا لم ينتبهوا إلى مرور الوقت.
صارت منى تأتي لزيارتنا بين الحين والآخر.. زيارات قريبة من بعضها، تبدو عليها السعادة والراحة، وعلاقتها بأهل زوجها جيّدة -أيضًا-.
بعد شهر من الزواج بدأت أمي تسألها: ألا يوجد شيء في الطريق؟ فتجيبها: لا، ما زال باكرًا.
وهكذا حتى مرَّت ستة أشهر منذ زواجها، أصبحت زيارات منى ويوسف تقل شيئًا فشيئًا؛ فانتاب القلق والدَيَّ، صارا يسألانها، فتجيب بأن يوسف مشغول جدًّا هذه الفترة. ثم انقطعت زيارات يوسف لنا تقريبًا، بعد أن كانت كثيرة، حيث كان يتسلى مع إخوتي وأبي ويقول إنها من أجمل أوقاته.
علاقتي بمنى علاقة جميلة، فهي صديقتي وأختي، بدأتُ أخاف وأنا ألاحظ اختفاء ضحكاتها تدريجيًا، حتى تحولتْ إلى ابتسامات خفيفة جدًّا، أغلبها مجاملات وهروبًا من أسئلة أمي.. صرت أشتاق إلى الجلوس معها، مكالمتها، نصائحها، دعائها لي وتفقّدها إيّاي.
في أحد المساءات رنّ جرس الباب، فإذا بمنى مع حقيبتها، ساد الصمت.. لا أحد يعلم ماذا يمكن أن يقول…
استجمعت أمي قواها وأخذت منى إلى الغرفة، خرجت أمي بعد فترة ليست بالقليلة لتخبر أبي قائلةً: إن زواج ابنتك الذي لم يبلغ السنة قد انتهى، وحاولتُ دون جدوى لأعرف السبب، ولكن ابنتك لا تزيد على أن تقول بأنهم لم يتّفقوا!!
نهض أبي ليكلِّمها، ولكنَّ أمي أشارت إليه بالجلوس، وطلبت منه أن يعطيها بعض الوقت، لعلّها تتكلم.
مرَّ يومان ولا خبر ولا سؤال من يوسف، عاد أبي ليكلِّم منى، ولم يُفلح في أخذ شيء جديد منها.. ترجّتْهُ أن يتفهّمها وقالت له: أبي، أنا أحبه، وهو كذلك، ولكن يستحيل الاستمرار، وقد اتفقنا على الطلاق.
بدأ صبر أبي وأمي ينفد، ولكن ما أسكتَهُما هو تدهور حالة منى الصحية جدًا.. انعدم كلامها تقريبًا، وقلّ طعامها وبالتالي وزنها بشكل ملحوظ ومخيف.
بعد أسبوع من مجيئها، وصلت ورقة طلاقها.. هنا أدرك الجميع أن المسألة حقيقة، ولا تراجُع عنها!
استدعى أبي يوسفَ وجلسَ معه، فلم يزد على ما قالته منى حرفًا واحدًا، حتى أنه لم يطلب رؤية منى، وطلب الخروج سريعًا.
اتصلت أمي بوالدته، فعلمتْ أنهم أيضًا متفاجئون ولا يعلمون أكثر ممَّا نعلم.
ازدادت حالة منى سوءًا يومًا بعد يوم.. حاولتُ مساعدَتها بشتَّى الطرق.. دعوتُ صديقاتها وكل من تحبهم ويحبونها، ولكن دون جدوى.. حاولتُ إخراجها من المنزل عدة مرات.. وإلى أماكن مختلفة، وكل مئة مرة أطلب منها قد توافق مرة، وقد لا توافق أصلًا.
مرّت سنة منذ افترقا، كأنّ منى دخلت خلالها في غيبوبة، توقفت فيها عن الكلام نهائيًا، وطعامها بالكاد يجعلها تقف وبالتحايل من أمي.
لم أعد أرَ دموع منى، حتى بلغ بي الأمر أن أسترق السمع ونحن نائمتان والأضواء مطفأة لعلي أسمعها تبكي.. فلم أسمع!!! حتى حركتها كانت قليلة جدًّا.. لم تعد منى التي نعرفها.. هذه ليست أختي.
خلال الأشهر الأخيرة اختفت أخبار يوسف تمامًا، لا أعلم إن كان إخوتي يرونه أم لا؟ لم تكن سيرته مرغوبة، ولكن الغريب أننا لم نكرهه!
مرت الأيام، وجاءت رفيف صديقة منى التي لا ننسى دورها في إرجاع منى إلى طبيعتها ولو قليلًا، ولكنّها لم تنجح أيضًا…
طلبت رفيف من منى أن تتقدّم إلى وظيفة في الشركة التي تعمل فيها، قد طلبوا موظفين بأعمار شابّة.. والصدمة أن الرد كان إيجابيًا من منى، حيث قامت وأعطت رفيف سيرتها الذاتية بصمت.. الجميع فرح وابتسم.. لم يصدق أحد ردة فعل منى.. فهذا يعدُّ شيئًا إيجابيًا، حتى لَكأَنّي لأول مرة أرى عائلتي تبتسم!
بعد عشرة أيام رن هاتف المنزل.. كان موعدًا من الشركة لمقابلة منى.. أخذها أبي في اليوم التالي، وخلال المقابلة تم قبول توظيفها في الشركة، وعلى الرغم من ذلك لم يتغير حالها قطّ! بقيَتْ صامتة، هادئة، كأنها في غيبوبة، كنا نشكّ أنها ستستمر في وظيفتها طويلًا، ولكن مرت الأيام ومنى مستمرة في عملها، حتى أنها اعتادت النهوض مبكرًا، وأحيانًا تستيقظ قبل المنبه، وتقوم بتجهيز الفطور بكل هدوء، وتخرج للحاق بباص الشركة.
جاءت رفيف لزيارتنا بعد طول انتظار منا لنعرف منها وضْع منى خلال العمل بالتفصيل.. بدأت رفيف بالكلام وبدا عليها التعجب، فأثارت فضولنا أكثر..
بدأت بسرد أحداث أول يوم عمل لمنى، وهو اليوم الأول لجميع الموظفين الجدد كذلك، وصفت الشركة وطبيعة المكاتب بأنها صالة كبيرة فيها مكاتب صغيرة تفصلها جدران زجاجية تجْمع الموظفين الجدد، لبدء مشروع جديد تم تعيينهم لأجله، والمفاجأة كانت أنّ يوسف هو أحد هؤلاء الموظفين أيضًا.. لم تنتبه منى إلى وجوده في اليوم الأول، على العكس من رفيف، حيث كان مكتبه على اليمين من مكتب منى بثلاثة مكاتب، ولكن جانب منى الأيمن يكون مقابل مكتب يوسف، لم يرتفع رأس منى عن الأوراق على المكتب منذ اليوم الأول وكأنها وجدت شيئًا تهرب إليه.. وهكذا إلى نهاية وقت الدوام.
أمّا يوسف فلم يزح عينيه عن منى أبدًا، ممّا أثار انتباه أغلب الموظفين.. الأمر الذي زاد من توتّر رفيف، فهي لم تصدّق -كما نحن- أنها استطاعت أخيرًا أن تُخرج صديقتها قليلًا ممّا هي فيه.
دخلت العائلة في توتر مجددًا.. مرَّ أسبوع ولم نلحظ أي تغيّر في وضع منى.. على العكس، فقد ازداد.. حتى أنها لم تّعد ترَنا، ترجع من العمل، تأكل قليلًا، وتستحم، ثم تخلد إلى النوم، بعدها تصحو باكرًا للعمل، وفي نهاية الأسبوع تكون قد جلبتْ معها أوراق العمل إلى البيت.
علمنا من رفيف أنّ منى خلال كل الأسبوع لم تنتبه إلى وجود يوسف، على الرغم من أنّه لم يتوقف من النظر إليها بتعجّب، مستغربًا من وضْعها، وكأنها ليست هي..
صادفَ أنْ طلب المدير من يوسف إكمال عمله وإدماج الأوراق التي عنده مع الأوراق التي أكملتها منى من المشروع، فاضطرَّ أن يذهب إليها.. ألقى عليها السلام بصوت مرتجف، علمت أنه هو من صوته وتأخرت برفع رأسها، بعد لحظات رفعته بارتباك، وردت السلام، وقالت: تفضَّل. طلب منها الأوراق بارتباك هو الآخَر.
مضى على وظيفتها خمسة أشهر، تقول فيها رفيف: لم تنظر منى باتجاه يوسف أبدًا، حتى ظننتها نسيت وجوده في المكان نفسه، ولما نفد صبري سألتها عنه: ألا تعلمين أنه موجود؟ فأجابت: أعلم.
ظننا أنها سوف تترك العمل..
لم تفعل!
قلنا ستتغيّر..
لم تتغير!
سيحدث شيء بينهما..
لم يحدث!
أخبرتنا رفيف بأنَّ يوسف حاول التكلّم مع منى عدّة مرات، ولكنه يتراجع عندما يراها هكذا.. وكثير من المرات حاولَ أن يوقفها في نهاية العمل قبل ركوبها الباص، ولكنها ترفض وتتهرَّب!!
بمرور الأيام صارت نظرات منى إلينا في البيت مختلفة، وبخاصة إلى أمّي، تتأمل الجميع بنظرات لامعة، تتكلَّم.. تتكلَّم كثيرًا، أما نظراتها إلى أمي فكأنها تعتذر منها لِما سبّبته لها من ألم وحزن وتوتّر.. صار الجميع يبتسم لها حين تنظُر إليه.. أمّي تقوم لحَضنها وتقبيلها..
لاحظنا بعد فترة سوء حالة منى الصحية، وتخبّطها في المنزل، وتعرّضها لنوبات دوار شديدة، حتى أني أمسكتها أكثر من مرة كي لا تقع، وأخبرتُ والدَيّ بذلك، حاولوا أخذها إلى الطبيب ولم توافق، حتى أغمي عليها ونقلناها إلى المستشفى.. بعد الفحوصات والتخطيط، حضر الطبيب لإبلاغنا بحالتها…
أخبرَنا بأنّ قلبها متعب جدًّا، وتحتاج إلى العناية، وكتب لها أدوية، وتمَّ إخراجها من المستشفى.
تغيّبَتْ عن العمل بإجازة.. لم يصبر يوسف يومين حتى سأل رفيف عنها.. فأخبرته أنَّ منى في إجازة لظروف خاصة.
سمعنا بعض الإشاعات أن يوسف لم يستطع الابتعاد عنها، وينوي التقدّم لها مجددًا، ولكنه خائف من ردة فعلها، وقد شاهده البعض وهو يتبعها إلى باب المنزل أحيانًا، بالإضافة إلى نظراته التي علم بها جميع من في العمل.
انتهت إجازة منى بعد عشرة أيام، وعادت إلى العمل، وعلى الرغم من أنها لم تكن تكلّم أحدًا، إلا أن الجميع يحبها لهدوئها وأخلاقها، فتمَّ الترحيب بها بأجمل وجه، ومديرها الذي يحترمها لجهودها ونزاهتها في العمل.
عادت إلى روتينها: تستيقظ باكرًا.. تجهّز الفطور.. تذهب إلى العمل…
في إحدى الليالي، قبل نومها، جاءت وقبّلت أمي من رأسها وعينيها وخديها ويديها، وسقطت دموعها بعد سنة من جفاف عينيها، ونطقت: “سامحيني أمي” فقط، قامت أمي باحتضانها، وقالت لها: على ماذا أسامحكِ يا نور عيوني.. الحمد لله على سلامتكِ..
قامت بعدها منى تبحث عن أبي فلم تجده، إذ لم يعدْ بعد، ونظرت إلينا جميعًا بحبّ، وخلدتْ إلى النوم.
في صباح اليوم التالي، عندما استيقظنا، تفاجأنا أن الفطور غير مجهَّز، بخلاف ما عوّدتنا أن تفعل!!!
ذهبتُ لأتفقّدها فوجدتها نائمة!!
أيُعقَل أنها لم تذهب إلى العمل؟!
حتى أنها تستيقظ قبل المنبه أحيانًا!
طلبت منّا أمي أن نتركها ترتاح وألّا نزعجها لعلها متعَبة، والقلق واضح على أمي تمامًا.
مرَّت ساعة وما زالت منى نائمة! بدأتُ أقلق أكثر، وأمي يزداد توتّرها، حتى طلبت مني أن أوقظها..
ذهبتُ مسرعة وأنا أنادي باسمها.. منى حبيبتي.. استيقظي..
ناديت باسمها ثلاث مرات ولكنَّها لم تجبني.. صرتُ أمسح على رأسها وأقول لها: هذه أول مرَّةٍ تتأخرين فيها عن العمل..
أنظُر إليها تبدو كالملاك، كطفل نائم.. بدأت أهزُّ يدها لتقوم، ولكن دون ردَّة فعل واحدة.. خِفت كثيرًا.. وناديت أمي بصوت مرتفع.. جاءت أمي تركض.. تصيح: ماذا هناك؟ ما بها منى؟؟ قلت: لا تُجيب!!
بدأت أمي، ووجهها شاحب، بمدِّ يدها تتلمّس منى برفق.. تمسح على رأسها.. وتصيح باسمها: منى يا ماما.. قومي يا حبيبتي.. ما بكِ يا صغيرتي؟!
وعندما لمستْ خدها ثم يديها، انهارت أمي باكيةً..
اتصلَ أبي بالإسعاف فورًا..
عند وصول المسعفين أخبرونا بأنها غادرت الحياة منذ أكثر من ساعتين!!
انهار البيت في لحظة.. تَسلَّطَ علَيَّ الاختناق، لم أعد أصرخ أو أتحرك نحو أمي التي فقدت الوعي وسقطت أرضًا، أو أبي الذي وضع يده على قلبه وهو إلى جانب منى!!!
ذهبتْ بصمتٍ وببطءٍ.. لم يعلم أحد سبب طلاقها.. لم يعلم أحد سبب صمتها، وعدم الخروج منه حتى عندما ظهر يوسف مجددًا!!
ما الغيبوبة التي دخلتِ فيها يا منى وأخرجتِ الجميع من حياتكِ حتى يوسف؟!
رنّ الهاتف، وإذا برفيف تستفقد منى، فصُعِقَتْ بالنبأ من أخي.
مرّت أشهر على وفاتها، ولكنها لم تَمُت بالنسبة لنا، ما زلتُ أراها كل ليلة تنام على سريرها، لم نُحرِّك شيئًا من أغراضها.. نرى أمي تتكلم دائمًا، وحين نسألها مع من تتكلمين؟ تجيب بأن منى لا تفارقها.. طوال اليوم معها.. تقول ذلك وهي تبتسم وتدمع عيناها في الوقت نفسه!
أصيب أبي بعد وفاتها بالسكّري.
أخبرتنا رفيف، بعد ذلك، أن يوسف في اليوم الذي توفيت فيه منى، كان قد عزم هو وأهله الحضور لخطبتها من جديد..
عندما علم يوسف بوفاتها دخل بنوبة سكات، كالتي حدثت لمنى وأشدّ، حتى أنه لم يبكِ قط!
يقول أبي وإخوتي أن يوسف كان يتفرّج من بعيد، والصدمة أوضح ما يبدو عليه، وكان يتفرّج كالخائف من أن يقترب.. يتفرج من بعيد عند تغسيلها.. عند الصلاة عليها.. عند دفنها.. وطوال أيام العزاء.. حتى أشفق عليه الجميع..
سمعنا بعد فترة من حارس المقبرة، أن يوسف يزورها كل يوم أربعاء وهو يوم وفاتها واليوم الذي عزم فيه على خطبتها من جديد.. ويضع الخاتم على قبرها ويبقى صامتًا، ولا يبكي أبدًا، وأحيانًا ينسى نفسه وينام إلى جانب القبر حتى يوقظه الحارس ويوصله إلى خارج المقبرة.
خسر يوسف وظيفته بعد ذلك بسبب ما آل إليه حاله..
انقطعت أخبار يوسف تمامًا، وبخاصة بعدما غادرنا المنزل والمنطقة بأكملها، لسوء وضع أمي يومًا بعد يوم.. حيث ازداد حديثها مع نفسها بأنها ترى منى وتسمع صوتها في البيت كله.
تزور أمي قبر منى بين فترات متباعدة، وأخبرَها الحارس أن يوسف ما زال يأتي إلى المقبرة، وسمعه أخيرًا قد انفجر بالبكاء، وهو يصرخ باسمها.
بقي وضعها وصمتها وطلاقها ووفاتها ألغازًا محيّرة، لن ننسى خفّتها وابتسامتها أبدًا، وما زلتُ أحتفظُ ببعض أغراضها وكتاباتها وعطرها.
لن أنساكِ يا أختي وصديقتي وحبيبتي…
رحمكِ الله.
قصة رائعه ومؤثرة وكأنما حقيقيه تأخذك للواقع هذه حال الدنيا لايبقى فقط الذكر الحسن